رصيف مدينتي لا يجيب..
"رصيف الزهور لا يجيب " . عنوان جميل جدا و جميل أيضا بالفرنسية لكتاب قرأته و أنا في الرابعة أو الخامسة عشرة من عمري . لم تحتفظ ذاكرتي المتخمة بصدمات الطريق سوى بالعنوان و بإسم الكاتب : الأديب الجزائري الكبير مالك حداد.. لا أذكر تفاصيل المؤلَّف و لا إن كان شعرا أم نثرا .. و لكن العنوان قفز إلى ذهني هذا الصباح و أنا أمشي في شوارع المدينة راجعة إلى البيت .لقد بحثت عن الرصيف لأمشي عليه فلم أجده ! و لو كانت الزهور هي من استعمله لشعرت بالسعادة , فلا أجملَ من شوارع تنيرها الزهور و تلونها الورود, و لكن الأمر غير ذلك , .فالأرصفة التي هي في الواقع مخصّصة للراجلين و التي تعلمنا معناها مذ كنا أطفالا في المدارس و كنا نردد و راء المعلم " قبل أن أجتاز الطريق أقف على الرصيف و أنظر يمينا و شمالا "...
هذه الأرصفة يكتسحها الباعة و التجار من كل الأصناف و على مدار السنة , و في فصل الصيف تتّسع رقعة الإكتساح أكثر, فمن بائع الدلاّع الي بائع الذرة المشوية الي بائع اللعب و الدمى و بائع المثلجات و غيرهم ,و كلهم يستعملون الأرصفة لعرض بضاعتهم ..و لو حالفني الحظ و استطعت أن أمر وسط كل هؤلاء فليس نادرا أن أجدني وجها لوجه أمام أحد المجانين و قد افترش الرصيف و تمدد بكل حرية كأنه في بيته . كلما واجهني هذا الموقف الرهيب سارعت في النّزول الي الطريق المعبد ,فأن تدهسني سيارة أرحم عندي من أن يهاجمني مجنون مررت بقرب باب بيته !
مدينتي تغيّر فيها كل شيء ,تكاثرت الحوانيت و نبتت المقاهي في كلّ ركن و الكلّ يبيع و يشتري و ما أن يفتتح أحدهم متجرا حتى يتهجّم على الرصيف و يستولي عليه و كأنه تركة ورثها عن أبيه ..فصاحب المقهى يصفّ الكراسي الواحد بجانب الأخر على طول و عرض الرصيف دون حرج, و بائع الاقمشة يفرش الرصيف و يغطي الحائط و حتى الأشجار إن وُجدت بمختلف مبيعاته من زرابي و فساتين و ... ملابس داخلية !
هل قرّر الناس الإستغناء عن الأرصفة لأنها تعني الإنتظار في زمن السرعة واللا إنتظار ؟ أم أن السير على الأقدام أصبح موضة قديمة و أنه عليك أن تكون إما داخل سيارتك أو جالسا على كرسي على الرصيف تنتظر مرور الوقت و.. تجعل مرور الأخرين مستحيلا ؟ أم أن القضية قضية تحضّر و نظام ؟
أكيد هي كذلك.