[احمد المنتشري]

عدنا بحمد الله كما وعدت...

[ نسيت انسى ]

نص شعري من اجمل ما قرأت اليوم وقبل اليوم ففيه تجلت مهارة الشاعر في شعر حقيقي لا يقبل التزلف وليس بمصنوع انما هو خصب نقي زلال خالي من ( المواد الحافظه ) اي انه شعر بفطرته وخالي من التصنع ..
هنالك بعض النصوص نقرأها كأننا نقرأ صفحة الوفيات بإحدى الصحف واخرى نقرأها من باب الإطلاع والعلم فقط وهذا لا يجعلنا نشعر بالشعر ومتعته الحقيقه ..
وهذا النص لا اخفيك فقد قرأته كثيرا ووقفت امام أبياته كثيراً وعشت جوه بيت بيت ... فبه مفردة طبيعيه بكر خصبه بعيده عن التكلف كتبت بلغتنا جميعاً .. احساسها خرج من بين حنايانا ... كل بيت نشعر به وكأننا من دون خياله وطاف مداراته وعزف سيمفونيته والحانه ...

اخي الشاعر القدير ابو فيصل ..
استأذن جنابكم في قراءة متواضعة ومحاولة يائسة في سبر اغوار هذا النص الراقي لغة واحساساً ونزفا....
فعذرا عذرا ان قصر قلمي وخيالي فيما سأذهب اليه شاعرنا الراقي ..

اقتباس: نسيت انساك والله العظيم اني نسيت انسا اغمض وابصرك واصك سمعي واسمعه يوحي,,

مطلع جميل بلغة الخيال والإحساس الخصب مما يجعل القارئ في حالة تأهب لمعرفة من اوجد هذا الوجد بين حنايا شاعرنا وقد زاد من جمال المطلع القسم الذي لا يأتي بعده الا شئ مهم دائماً مما يحتم على المتلقي الإنتباهـ والترقب لما هو آت فالقسم ( والله العظيم ) هنا أثبات للحالة التى وصل اليها الشاعر بعدم قدرته على النسيان بالرغم من محاولاته اليائسة بإقفال بصره وسمعه الا ان تلك المحبوبه لا زالت موجوده يراها ويسمعها مما يصعب عليه نسيانها فإن اغمض عيناه رأها وان اقفل سمعه سمعها لإي حد وصل بك هذا العشق يارجل فقد جعلت من الخيال حقيقه بهذا التصوير البديع يا ابا فيصل ...

اقتباس: قسا قلبي علي وطبع قلبي لن بغا يقسا يعوضني عن الجرح القديم بعدة اجروحي,,

هنا بدأ يشكي معاناته مع قلبة فقد وصف قلبه بالقساوة مع تبيان اسلوب هذا القلب حين يقسى ماهي ادواته في التعب فما ان يبرح قلبه جرح حت يأتيه بجروح اخرى ولسان حاله يقول لا اراك الا منهك القوام ولا اشعر بلذة العيش الا وانت غارق بالجراح وان برئ لك جرح تم اضافات اخرى بدلاً منه وهنا يجعل الشاعر في حالة ترقب دائم لهذا القلب وقساوته وفي هذا مزاجية هذا الذي ساكن بين الحنايا فإن اراد ان يقسى يزيد الجراح بأخرى يا لهذا القلب وعالمه النادر مع حناياه التى تحرسه ...

اقتباس: وروحي الي تبلل ريقها من دمعة الخنسا انا ما ادري معاك اودعتها والا معي روحي,,

يا ربآآآآآآآآآآآآآهـ يا ابا فيصل الروح جعلتها تتبلل بريق الدمعة الخنسا الروح تلك الهبه الإلآهيه جعلت منها شئ محسوس ويتبلل بالدمع حتى ان لا تعلم أين أودعتها هل مع تلك الفاتنه ام مع روحك التى هي الفاتنة أيضاً مما يجعلها مكان وجود تلك الروح المتعبة بكل الأحوال وهنا انحسار التفكير عندها مما يعيد الينا شريط البيت الأول عندما قلت ( نسيت انساك... الخ) وفيه اكبار لهذا العشق بهيام أسير مرهف حد الترف ..

اقتباس: انا طبيت في غبة بحر ماحولها مرسا على لوح وشراع ومن شراعي يشتكي لوحي,,

الله الله الله هنا بدأ الإبحار لشرح ما أوصل شاعرنا الى هذا الحال بتصوير بلاغي جميل بمفردات البحر ( غبة ـ بحر ـ مرسى ـ لوح ـ شراع ) تم تركيبها وكأن الشاعر فعلا نسج هذا النص وهو يقرأها بالبحر ليصور لنا الموقف وكأنه يبحث عن مرفأ لقاربه الذي انهكت قواه فلنا ان تخيل اللوح ومدى معاناته مع الشراع فالرياح تتلاعب بالشراع والشراع يتلاعب باللوح وهنالك تصوير آخر أيضاً كون الشراع يبحث عبثاً عن مرسى كونه بارز بينما اللوح لا يرى الشواطئ وهنا يظهر لنا الشاعر مدى معاناة اللوح مع الشراع ... الله على هكذا خيال يارجل ...

اقتباس: دخيل الجمرتين وخنجرك وعيونك الخرسا وغره لسفهلت يبرق البراق ويلوحي,,

هنا بدأ شاعرنا يظهر لنا تلك المفاتن التى اخرجت لنا هذه الدره من بين حناياه وخلال الشطر الأول فقط كانت هنالك ثلاث ادوات قتل خطيرخ ( الجمرتين ـ الخنجر ـ والعيون ) يا الله ... كلاً منها قاتل فكيف عندما تجتمع معاً في نظرة واحده تجدها امامك جمر وخنجر وعين كلها تؤدي الى القبر يا رمضان كلها ولا تبقي خلفها شئ فالجمر بحرارته والخنجر بسمومه والعين التى بها توصلك للقبر كلها مميته فكيف عندما تسكن تلك الحبيبه شفاتين وأنف كالخنجر وعينان مليئة ساحره ولسان حالك يريد انطاقها من ذلك الخرس يا ربآآآآآآآآآآآآهـ.... اما الشطر الثاني فهو حكاية لوحدهـ غرة لسفهلت اي عندما تشاح عن الجبين يبرق البراق وهنا جعلت من جبينها كالبرق عندما يبرق بالليال القاتمة اي عند بزوغ ذلك الجبين خلف تلك الغرة عندما تشوح عنه فيظهر لنا وجهها كأنه برق يلوح في ليالي الشتاء الله عليك وعلى خيالك الخصب يا شعر...

اقتباس: وميدان انطلاق وقبتين من الترف ملسا وليل(ن) لنتثر ماعاد عقبه شي مفضوحي,,

هنا وقفت وفي حالى تأمل بخيال منهك لا يقوى على السبق وخالقي ( ميدان انطلاق ـ وقبتين ـ وملسا ـ وليل ـ وانتثار ـ مفضوح ) مفردات من الحياة البسيطه الا انها تحمل معاني خرافية بثقافة شاعر محترف يجيد التصوير الدقيق لكل ما حوله يا أخي أنت مجرم .. مجرم مجرم مجرم يارمضان ولا اعلم الى أي مدى تريد الوصول في هذا التصوير ... فهذا ما يسمى بجنون الخيال في خيال الجنون ... وهنا اقول لقد اخذتنا الى جنون خيالك يا مجرم .... اخذتنا الى ذلك الميدان وجعلتنا نتخيل القبتين ومدى ما وصلت الى من الترف الذي عاشت به ... ان من البيان لسحر ـ دوما ادعوا ربي (اللهم لا تشغلني بسواك يارب) ـ تصوير بليغ بريشة رسام محترف وخالقي ..

اقتباس: خذيني من غياهب وحدتي المجنونه الشرسا لعالم برزخك ياصمتي الي حركه بوحي,,

بهذا البيت بدأ شاعرنا في سرد طلباتها من ذلك الملاكـ الذي انتهى من تصوير مواصفاته الشخصية والذي يرغب ان ينتقل من تلك الوحده الشرسه وان يكون معه في عالمه الخاص (

اقتباس: برزخك

) اي مقر وجودك الدائم ليهنى بالقرب بذلك الملاك المترف ...مطلب وحق مشرع بعد هذا الفيض يا كريم الشعر ...

اقتباس: خذيني من جفاف العاطفه والخطر العمسا انا حلمي غرام(ن) يجعل الممنوع مسموحي,,

هنا تأكيد للطلب الأول ويريد مغادرة جفاف العاطفه وحلمه في غرام يجعل الممنوع مسموح ( بالحلال ) وهنا سعادة كل حب طاهر يريد ان يجعل لذلك التعب نهاية سعيدة ...

اقتباس: احبك وان عذلني من عذلني قلت له ينسا ياحب(ن) مثل حبي ياحياه بدون مصلوحي,,

خاتمة هذا النص تعيدنا الى مطلعه الجميل وهو اما حب كالذي انا فيها والا فإن الحياة لا حاجة لذلك القلب ان يعيشها .. وهنا تصوير وتأكيد من الشاعر بإن ما وصل اليه من حالة العشق والهيام يجعله لا يرى الا حالته وحبه الذي يختلج بين حناياهـ وهو بهذا لا يخشى العذال ولن يأخذ بما يقولوا وهنا اعلان بالولاء والوفاء لذلك الحب السرمدي الذي عاشه شاعرنا... فلله لله لله درك لله دركـ ...

ابو فيصل

انت احد هدايا الشعر الجميل الى قلوب عشاق المفردة الراقية والبيان الماتع والخيالات الخصبه ..
مدرسة شعرية مستقله في زمن اصبح الشعراء أكثر من عدد القصائد وخالقي....
فعذرا تقصير اخوك في هذه القراءة الخجولة لنص عملاق كهذا ..
في شوق دائم بعناق آخر لعقد فريد جديد يا علم..

تحاياي لقلبكـ