محمد سعد.
02-28-2014, 11:50 PM
ليس قدرا
بقلم : ايمان حمدان
المصدر : السفير الثقافي
تنسيق : محمد سعد
يصعب تصديق خبر خروج قاتل رلى يعقوب من السجن بحجة البراءة. يصعب تصديق أن قاتل زوجته يقضي بضعة اشهر فقط ثم يخرج حراً فخوراً بحريته وبما فعله. من يضمن انه لن يقتل ثانية وثالثة. كيف لا، اذا كان ثمن القتل لا يتجاوز السجن لبضعة أشهر؟
بعض وسائل الاعلام تنقل الخبر بحيادية كأنه خبر عادي وذلك بحجة الاعتدال والاتكال على القضاء. لكن القضاء في العالم هو مرآة للمجتمع وليس خارجه. كيف يخرج رغم موقف الجمعيات الاهلية ومنظمات المجتمع المدني؟ وإن لم تستطع عائلة يعقوب الاستمرار في الدعوة ـ فأين الحق العام؟
لكن ماذا لو كانت رلى يعقوب هي قاتلة زوجها؟ هل كانت نجت بعد اشهر من ارتكابها الجريمة؟ ماذا لو كانت منال عاصي هي التي حملت طنجرة الضغط وراحت تدق رأس زوجها بها حتى مات؟ كيف ستأخذ العدالة مجراها حينئذ؟ لكن الرجال هم القاتلون والضحايا هم النساء، نساء العائلة والحرمة والشرف والبيت. ضحايا منظومة من الأخلاق والمفاهيم التي يحميها القضاء ويدافع عنها رجال القانون ورجال الدين والسياسة وقيم العائلة لتبرئة الاجرام. رغم معرفتهم بما يقوم به الزوج، لا يدخل أحد من الحي بيت منال عاصي لأن للبيت حرمة.... بل للقتل حرمة في لبنان... قتل نساء الأسر والبيوت والعائلات.
هكذا سيزداد عدد ضحايا القتلة. عدد الزوجات المقتولات. كيف لا وكل منهم يستطيع القول: أنا رجل وليس لأي كان ان يملي علي ما افعله، ليس لأي كان ان يعاقبني. أنا رجل وأنا قوام على ضحيتي، والشرع والقانون يجيزان لي تأديبها! ستردد جوقة القيم العائلية والدينية من بعده: هي امرأة ماذا فعلت يا ترى كي تُفقده صوابه هكذا؟ إنها ليست فقط الأواني المنزلية وعصا التنظيف هي التي تقتل النساء بل اخلاق العائلة التي تحملها الأم والإبنة والأخ والأب والقيم والعيب والصمت والتستر. كلها تجتمع لقتل امرأة. ليس صدفة ان تكون أدوات القتل هذه هي نفسها مواد دعائية وخطابية موجهة دائماً إلى المرأة.
ليس من العدل في شيء ان نقف على مساحة مشابهة من الموت كذلك من الحياة. اقل ما يمكن القول في موقف كهذا انه مطعّم بالذكورية والانتهازية التي تتلطى خلف الاعتدال سياسة لتغطية موقف يتجاهل حق الفرد المرأة بالحياة، حقها أن تكون اولاً وأن يحميها القانون. إنه ببساطة موقف لا يصفق سوى للموت. ونحن لا نريد الموت. لن نكون شاهدي زور على الموت ولا على التمييع ولا على الصمت ولا على الادّعاء بالاعتدال ولا على القبول بما يجري كأنه قدر. لا انه ليس بقدر، إنه قرار ونحن مسؤولون.
تُقتل منال بدم بارد. يقتلها زوجها كما يقتل حشرة مزعجة. لا يهمه الأهل ولا الشارع ولا الحي ولا الأولاد. يبدو انه لا يهمه القانون ايضا. لا بد انه علم بخروج قاتل رلى يعقوب من السجن بريئاً من تهمة القتل. لم لا ومقال روان عزالدين في جريدة الاخبار مر مرور الكرام. لم يسأل احد من القضاء ولا من المجتمع المدني ولا من رجال السياسة من هو ذلك القاضي الذي قال “المرأة مش بس بدها ضرب بدها سحل” وكيف يُسمح له أن يبقى في سدة القضاء؟ المجتمع المدني يسعى بإقرار قوانين حماية المرأة من العنف الاسري، لكن كيف للمرأة المواطنة - الفرد التي منحها دستور بلادها حق المساواة وحق الحماية، ان تثق بشخص كهذا من المفترض ان يطبق العدالة، وأن تتجرأ على ان تستجير بالقانون والقضاء حين تُظلم وتُعنف؟ كيف يمر كل ذلك ولا من يسأل. ماذا بقي لنا في هذا الوطن الذي شوهه البنيان والاسمنت والعمران والحروب الاهلية والكره والتلوث، سوى الحفاظ على قيمة الانسان، على الحرية الشخصية، على حرية التفكير والتعبير. ماذا بقي لنا في بلد نُقتل فيه كل يوم لا لسبب سوى لأننا كنا بالصدفة هناك، أو لأن احداً في كهف ما لا يريد لنا الحياة. ماذا بقي من الدستور الذي اقر بمادته السابعة مساواة الجنسين، والذي لم يعد احد يذكره سوى للتنصل من مسؤولياته وللتأكيد على غرائزه وحاجاته ولحماية مصالحه ومصالح جماعته الضيقة (الجماعة الضيقة والمصالح الضيقة).
وحين نسأل اليوم اين اصبح لبنان منذ البيان الوزاري عام 2009 بما يخص مكافحة العنف ضد المرأة، وتحديداً العنف الاسري، سيقول أحدهم إن القانون قد أقر. بالطبع ربما اقر في وقت كانت قد لفظت فيه رلى يعقوب انفاسها الاخيرة. اقر ثم ماذا؟ قتلت منال بعد أشهر! ماذا سيأتي بعد ذلك؟ هل سيصبح القانون حبراً على ورق في وقت نشهد قضاة يقولون إن المراة تستحق السحل لا الضرب فحسب؟ ثم اذا كان الجسم القضائي تنفث فيه سموم من هذا النوع القاتل (رغم ان 40% من الجسم القضائي في لبنان اناث) من سيدافع عن تطبيق القانون اذاً، وهل تستطيع جمعيات المجتمع المدني مثل جمعية كفى مثلا القيام بالمهمة وحدها؟
في عام 1994، ان لم تخني الذاكرة، قمت بتحقيق نشرته في ملحق النهار حول النساء المعنفات. الحالات التي قابلتها تنتمي إلى طبقات تعيش ما دون خط الفقر. أولئك النساء المعنفات وصل بهن الوضع إلى ان يمتهنَّ البغاء من اجل لقمة العيش. اكتشفت حينها ان المكان الذي يؤوي تلك النساء هو المكان الوحيد من نوعه في لبنان. لا يوجد مكان للمعنفة تلجأ اليه. ولا يعد بيت الاهل بالمكان المناسب حيث ان عادات العائلات وتقاليدها ترغم المرأة المعنفة على العودة إلى بيت زوجها بحجة السترة والعيب وكي لا “تخرب بيتها” كأن البيوت تعمر في وجود العنف. معظم حالات عودة النساء المعنفات إلى بيوتهن يعقبها عنف أقوى من الزوج يصل في حالات كثيرة إلى القتل. الصمت والتستر وعودة الزوجة إلى معنفها هي اسرع طريق إلى موتها.
يكفي وقاحة، يكفي عهراً. هذا البلد الذي تسممت اوصاله وأطرافه وقلبه وزواياه ولم يبق لنا فيه سوى جزر افتراضية نصرخ منها رفضنا لما آلت اليه حرية الفرد وكرامته وسيادته لنفسه امرأة كانت ام رجلاً. ثم رفضنا للوضع المأساوي اين يذهب؟ الكلام اين يذهب؟ كل هذا الكلام اين يصب؟ أفي مقابر افتراضية، لا يرمى عليها زهرة ولا يُنظر اليها بأي شعور بالخسارة؟ كلماتنا وحدها تحمل أساها.
ها نحن هنا، رهائن في نفق لم نصنعه نحن، بل صنعه مَن امتلك السلطة والمال والخطاب الديني. نحن لا نملك أياً من تلك، لا نملك سوى الرغبة في بناء وطن يتسع ليس لنا فحسب، بل للمختلف أيضا، معنا.
حتى الذين يدافعون ودافعوا عن الرياضية اللبنانية جاكي شمعون بسبب عريها، يودون قول شيء آخر. يريدون قول ثمة نهج فاسد إلى ابعد الحدود، وجرائم وفساد وسوء استغلال سلطة وغياب تام لأية اخلاق سياسية على قمة هرم السياسة اللبنانية. يريدون القول إن ما قامت به شمعون هو شخصي. يريدون إعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله، حرية الفرد إلى الفرد، وليس إلى شيخ أو نائب أو وزير أو رجل دين يدّعي تمثيل الله على الارض. إلى الفرد وليس إلى أحد غيره يصادر حريته وينوب عنه. انتفى حق الفرد في ان يكون فرداً في لبنان لكن أيضاً انتفى الحق العام في أن يكون شرعياً وحقاً وأن يحمي كل فرد منا. بقي حق القبيلة والطائفة والمذهب وما يتبعه وباسمه من “حق” في القتل والدمار والموت... فقط.
كم من النساء سيقتلن بعد، قبل رفع معالجة الموضوع من “الترقيع” إلى مستوى قانوني صرف يعمل فيه المشرعون على قوانين تحمي المرأة فعلا لا قولا من العنف المنزلي. تحميها أيضاً من قوانين أخرى ما زال معمولا بها تحت غطاء الشرف أو حرمة البيت. نحن النساء لا نريد للبيت حرمة ولا للشرف حرمة ما دامت تلك الحرمات لا تفعل شيئاً سوى مزيد من قتلنا وترويعنا وإخافتنا. إنها حرمة السلطة والقتل فرضها الرجل على المرأة. كفى!
ليأخذوا نفطهم وسلطتهم وكراسيهم ودينهم وقداستهم ووسخهم وشجاراتهم العلنية في الميديا وخارجها. ليأخذوا معهم بعيدا عنا هؤلاء الذين لا موقف لهم لأن اللاموقف، في ظرف كهذا لا يغدو كونه ترويجاً للموت. اللاموقف هو تماماً مشابه للصمت ازاء البراميل والسحل وتعذيب السجناء وكم الأفواه.
ليبعدوا سمّهم عنا. كفى!
بقلم : ايمان حمدان
المصدر : السفير الثقافي
تنسيق : محمد سعد
يصعب تصديق خبر خروج قاتل رلى يعقوب من السجن بحجة البراءة. يصعب تصديق أن قاتل زوجته يقضي بضعة اشهر فقط ثم يخرج حراً فخوراً بحريته وبما فعله. من يضمن انه لن يقتل ثانية وثالثة. كيف لا، اذا كان ثمن القتل لا يتجاوز السجن لبضعة أشهر؟
بعض وسائل الاعلام تنقل الخبر بحيادية كأنه خبر عادي وذلك بحجة الاعتدال والاتكال على القضاء. لكن القضاء في العالم هو مرآة للمجتمع وليس خارجه. كيف يخرج رغم موقف الجمعيات الاهلية ومنظمات المجتمع المدني؟ وإن لم تستطع عائلة يعقوب الاستمرار في الدعوة ـ فأين الحق العام؟
لكن ماذا لو كانت رلى يعقوب هي قاتلة زوجها؟ هل كانت نجت بعد اشهر من ارتكابها الجريمة؟ ماذا لو كانت منال عاصي هي التي حملت طنجرة الضغط وراحت تدق رأس زوجها بها حتى مات؟ كيف ستأخذ العدالة مجراها حينئذ؟ لكن الرجال هم القاتلون والضحايا هم النساء، نساء العائلة والحرمة والشرف والبيت. ضحايا منظومة من الأخلاق والمفاهيم التي يحميها القضاء ويدافع عنها رجال القانون ورجال الدين والسياسة وقيم العائلة لتبرئة الاجرام. رغم معرفتهم بما يقوم به الزوج، لا يدخل أحد من الحي بيت منال عاصي لأن للبيت حرمة.... بل للقتل حرمة في لبنان... قتل نساء الأسر والبيوت والعائلات.
هكذا سيزداد عدد ضحايا القتلة. عدد الزوجات المقتولات. كيف لا وكل منهم يستطيع القول: أنا رجل وليس لأي كان ان يملي علي ما افعله، ليس لأي كان ان يعاقبني. أنا رجل وأنا قوام على ضحيتي، والشرع والقانون يجيزان لي تأديبها! ستردد جوقة القيم العائلية والدينية من بعده: هي امرأة ماذا فعلت يا ترى كي تُفقده صوابه هكذا؟ إنها ليست فقط الأواني المنزلية وعصا التنظيف هي التي تقتل النساء بل اخلاق العائلة التي تحملها الأم والإبنة والأخ والأب والقيم والعيب والصمت والتستر. كلها تجتمع لقتل امرأة. ليس صدفة ان تكون أدوات القتل هذه هي نفسها مواد دعائية وخطابية موجهة دائماً إلى المرأة.
ليس من العدل في شيء ان نقف على مساحة مشابهة من الموت كذلك من الحياة. اقل ما يمكن القول في موقف كهذا انه مطعّم بالذكورية والانتهازية التي تتلطى خلف الاعتدال سياسة لتغطية موقف يتجاهل حق الفرد المرأة بالحياة، حقها أن تكون اولاً وأن يحميها القانون. إنه ببساطة موقف لا يصفق سوى للموت. ونحن لا نريد الموت. لن نكون شاهدي زور على الموت ولا على التمييع ولا على الصمت ولا على الادّعاء بالاعتدال ولا على القبول بما يجري كأنه قدر. لا انه ليس بقدر، إنه قرار ونحن مسؤولون.
تُقتل منال بدم بارد. يقتلها زوجها كما يقتل حشرة مزعجة. لا يهمه الأهل ولا الشارع ولا الحي ولا الأولاد. يبدو انه لا يهمه القانون ايضا. لا بد انه علم بخروج قاتل رلى يعقوب من السجن بريئاً من تهمة القتل. لم لا ومقال روان عزالدين في جريدة الاخبار مر مرور الكرام. لم يسأل احد من القضاء ولا من المجتمع المدني ولا من رجال السياسة من هو ذلك القاضي الذي قال “المرأة مش بس بدها ضرب بدها سحل” وكيف يُسمح له أن يبقى في سدة القضاء؟ المجتمع المدني يسعى بإقرار قوانين حماية المرأة من العنف الاسري، لكن كيف للمرأة المواطنة - الفرد التي منحها دستور بلادها حق المساواة وحق الحماية، ان تثق بشخص كهذا من المفترض ان يطبق العدالة، وأن تتجرأ على ان تستجير بالقانون والقضاء حين تُظلم وتُعنف؟ كيف يمر كل ذلك ولا من يسأل. ماذا بقي لنا في هذا الوطن الذي شوهه البنيان والاسمنت والعمران والحروب الاهلية والكره والتلوث، سوى الحفاظ على قيمة الانسان، على الحرية الشخصية، على حرية التفكير والتعبير. ماذا بقي لنا في بلد نُقتل فيه كل يوم لا لسبب سوى لأننا كنا بالصدفة هناك، أو لأن احداً في كهف ما لا يريد لنا الحياة. ماذا بقي من الدستور الذي اقر بمادته السابعة مساواة الجنسين، والذي لم يعد احد يذكره سوى للتنصل من مسؤولياته وللتأكيد على غرائزه وحاجاته ولحماية مصالحه ومصالح جماعته الضيقة (الجماعة الضيقة والمصالح الضيقة).
وحين نسأل اليوم اين اصبح لبنان منذ البيان الوزاري عام 2009 بما يخص مكافحة العنف ضد المرأة، وتحديداً العنف الاسري، سيقول أحدهم إن القانون قد أقر. بالطبع ربما اقر في وقت كانت قد لفظت فيه رلى يعقوب انفاسها الاخيرة. اقر ثم ماذا؟ قتلت منال بعد أشهر! ماذا سيأتي بعد ذلك؟ هل سيصبح القانون حبراً على ورق في وقت نشهد قضاة يقولون إن المراة تستحق السحل لا الضرب فحسب؟ ثم اذا كان الجسم القضائي تنفث فيه سموم من هذا النوع القاتل (رغم ان 40% من الجسم القضائي في لبنان اناث) من سيدافع عن تطبيق القانون اذاً، وهل تستطيع جمعيات المجتمع المدني مثل جمعية كفى مثلا القيام بالمهمة وحدها؟
في عام 1994، ان لم تخني الذاكرة، قمت بتحقيق نشرته في ملحق النهار حول النساء المعنفات. الحالات التي قابلتها تنتمي إلى طبقات تعيش ما دون خط الفقر. أولئك النساء المعنفات وصل بهن الوضع إلى ان يمتهنَّ البغاء من اجل لقمة العيش. اكتشفت حينها ان المكان الذي يؤوي تلك النساء هو المكان الوحيد من نوعه في لبنان. لا يوجد مكان للمعنفة تلجأ اليه. ولا يعد بيت الاهل بالمكان المناسب حيث ان عادات العائلات وتقاليدها ترغم المرأة المعنفة على العودة إلى بيت زوجها بحجة السترة والعيب وكي لا “تخرب بيتها” كأن البيوت تعمر في وجود العنف. معظم حالات عودة النساء المعنفات إلى بيوتهن يعقبها عنف أقوى من الزوج يصل في حالات كثيرة إلى القتل. الصمت والتستر وعودة الزوجة إلى معنفها هي اسرع طريق إلى موتها.
يكفي وقاحة، يكفي عهراً. هذا البلد الذي تسممت اوصاله وأطرافه وقلبه وزواياه ولم يبق لنا فيه سوى جزر افتراضية نصرخ منها رفضنا لما آلت اليه حرية الفرد وكرامته وسيادته لنفسه امرأة كانت ام رجلاً. ثم رفضنا للوضع المأساوي اين يذهب؟ الكلام اين يذهب؟ كل هذا الكلام اين يصب؟ أفي مقابر افتراضية، لا يرمى عليها زهرة ولا يُنظر اليها بأي شعور بالخسارة؟ كلماتنا وحدها تحمل أساها.
ها نحن هنا، رهائن في نفق لم نصنعه نحن، بل صنعه مَن امتلك السلطة والمال والخطاب الديني. نحن لا نملك أياً من تلك، لا نملك سوى الرغبة في بناء وطن يتسع ليس لنا فحسب، بل للمختلف أيضا، معنا.
حتى الذين يدافعون ودافعوا عن الرياضية اللبنانية جاكي شمعون بسبب عريها، يودون قول شيء آخر. يريدون قول ثمة نهج فاسد إلى ابعد الحدود، وجرائم وفساد وسوء استغلال سلطة وغياب تام لأية اخلاق سياسية على قمة هرم السياسة اللبنانية. يريدون القول إن ما قامت به شمعون هو شخصي. يريدون إعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله، حرية الفرد إلى الفرد، وليس إلى شيخ أو نائب أو وزير أو رجل دين يدّعي تمثيل الله على الارض. إلى الفرد وليس إلى أحد غيره يصادر حريته وينوب عنه. انتفى حق الفرد في ان يكون فرداً في لبنان لكن أيضاً انتفى الحق العام في أن يكون شرعياً وحقاً وأن يحمي كل فرد منا. بقي حق القبيلة والطائفة والمذهب وما يتبعه وباسمه من “حق” في القتل والدمار والموت... فقط.
كم من النساء سيقتلن بعد، قبل رفع معالجة الموضوع من “الترقيع” إلى مستوى قانوني صرف يعمل فيه المشرعون على قوانين تحمي المرأة فعلا لا قولا من العنف المنزلي. تحميها أيضاً من قوانين أخرى ما زال معمولا بها تحت غطاء الشرف أو حرمة البيت. نحن النساء لا نريد للبيت حرمة ولا للشرف حرمة ما دامت تلك الحرمات لا تفعل شيئاً سوى مزيد من قتلنا وترويعنا وإخافتنا. إنها حرمة السلطة والقتل فرضها الرجل على المرأة. كفى!
ليأخذوا نفطهم وسلطتهم وكراسيهم ودينهم وقداستهم ووسخهم وشجاراتهم العلنية في الميديا وخارجها. ليأخذوا معهم بعيدا عنا هؤلاء الذين لا موقف لهم لأن اللاموقف، في ظرف كهذا لا يغدو كونه ترويجاً للموت. اللاموقف هو تماماً مشابه للصمت ازاء البراميل والسحل وتعذيب السجناء وكم الأفواه.
ليبعدوا سمّهم عنا. كفى!