تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فقه الشكوى


سعدمتعب
12-05-2012, 07:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

إذا داهمتْك الأحزانُ والخُطُوب، وكَثُرتْ عليك المعاصي والذنوب، وعزَّ عليك المأمول والمطلوب -

فانطرح بين يَدَي مولاك، وأظهر له فاقتَك وعجزك، وَاشْكُ إليه حاجتَك:



{ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ }

"يوسف: 86"

إلى الله لا إلى أحد سواه سواه!

إِذَا أَرْهَقَتْكَ هُمُومُ الْحَيَــاةِ *** وَمَسَّكَ مِنْهَا عَظِيمُ الضَّـرَرْ

وَذُقْتَ الْأَمَرَّيْنِ حَتَّى بَكَيْـتَ *** وَضَجَّ فُؤادُكَ حَتَّى انْفَجَـرْ

وَسُدَّتْ بِوَجْهِكَ كُلُّ الدُّرُوبِ *** وَأَوْشَكْتَ تَسْقُطُ بَيْنَ الْحُفَرْ

فَيَمِّمْ إِلَى اللهِ فِي لَهْفَـــةٍ *** وَبُثَّ الشَّكَاةَ لِرَبِّ الْبَشَـرْ



فإذا فعلتَ ذلك سَمِع الله شكواك، واستجاب دعاك، كما استجاب لِمَن سبقك من الأنبياء

والصحابة والأخيار؛ فهذا أيوب - عليه السلام - يشكو حاله إلى ربه، فيقول:



{ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ ّالرَّاحِمِينَ }

"الأنبياء: 83"

فسَمِع الله شكواه، واستجاب دعاه، وكشف بلواه:



{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ

رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }

[الأنبياء: 84 ]

وهذا يونس - عليه السلام - ينادي ربه ويُنَاجِيه، ويشكو إليه حاله، فينادي



{ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }

[الأنبياء: 87]

فسمع الله شكواه، واستجاب دعاه، وكشف بلواه:



{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }

[الأنبياء: 88]


وهذا نبينا - عليه الصلاة والسلام - يشكو حاله إلى ربه، فيناديه:



( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين،

أنتَ ربُّ المستضعفين وأنت ربي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجهَّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملكتَه أمري؟

إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي،

أعوذ بنور وجهِك الذي أشرقتْ له الظلمات،

وصَلَح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنْزِل بي غضبَك،

أو يحل عليَّ سخطك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك )

وهذا خَبِيب بن عَدِي حينما رفعوه على خشبة الصلب اشتكى حاله إلى ربه، فقال:


لَقَدْ جَمَّعَ الأحزابُ حَوْلِي وأَلَّبُـوا *** قَبَائِلَهم واستَجْمَعُوا كـلَّ مَجْمَــعِ

وَقَدْ جَمَّعُوا أَبْنَاءَهُم وَنِسَاءَهُــم *** وَقُرِّبْتُ مِن جِذْعٍ طَوِيلٍ مُمَنَّـــعِعِي

فَذَا الْعَرْشِ صَبِّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي *** فَقَدْ بَضَّعُوا لَحْمِي وَقَدْ يَاسَ مَطْمَـعِي

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَــأْ *** يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَـــزَّعِ

لَعَمْرِيَ مَا أَحْفَلْ إِذَا مِتُّ مُسْلِمًـا *** عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ للهِ مَضْجَعِـــي


وهذه امرأةٌ ضعيفةٌ تشكو زوجها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسمع الله شكواها،

ويحل مشكلتها بآيات تتلى إلى يوم القيامة:



{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ

وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

[المجادلة: 1]

وهذا الربيع بن خثيم يقول في شكواه:

[ اللهم أشكو إليك حاجة لا يحسن بثها إلا إليك، وأستغفر منها وأتوب إليك ]

أُصَعِّدُ أَنْفَاسِي وَأَحْدُرُ عَبْرَتِـي *** بِحَيثُ يَرَى ذَاكَ الْإِلَهُ وَيَسْمَعُ

إَلَى اللهِ أَشْكُو لَا إِلَى النَّاسِ إِنَّمَا *** مَكَانُ الشَّكَايَا لَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ

والله يحب أن يسمع عبده يشكو إليه، ويَمقُت منه أن يشكوه إلى خلقه، قال ابن القيم:

[ بل أراد منه أن يستكين له، ويتضرع إليه، وهو - تعالى - يَمقُت مَن يشكوه إلى خلقه،

ويحب مَن يشكو ما به إليه، وقيل لبعضهم: كيف تشتكي إليه

ما ليس يخفى عليه، فقال: ربِّي يرضى ذل العبد إليه ]

ومع شكواك لربك، فلا بد لك من التحلِّي بالصبر الجميل، وهو الذي لا شكوى معه إلى الخلق،

ولا تضجر ولا تسخط، وإنما تشكو إلى الخالق الرحيم الرحمن القادر،

لا إلى المخلوق الضعيف العاجز، الذي لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا.

يقول أحد الشعراء الحكماء:


وَإذَا عَرَاكِ بليةٌ فاصبِرْ لَهَــا *** صَبْرَ الكريمِ فَإنَّه بكَ أَعلـــمُ

وَإِذَا شَكَوتَ إلى ابنِ آدمَ إِنَّمَا *** تَشْكُو الرَّحِيمَ إلى الذي لا يَرْحَمُ

وهذا عمر يقول:

[ ما في الشكوى إلى الخلق إلا أن تحزنَ صديقك، وتشمِّت عدوك ]

وقال الأحنف:

[ شكوتُ إلى عمي في بطني فنهرني، ثم قال: يا بن أخي لا تشكُ إلى أحدٍ

ما نزل بك، فإنما الناس رجلان، صديق تسوءه بهذه الشكوى وتؤلمه، وعدو تسره]

قد يَفْقِدُ المرءُ بينَ الناسِ عزَّتَــهُ *** إذا شَكَا أَمْرَه أو سبَّ مِحْنَتَهُ

فَكُنْ كَلَيْثِ الشَّرَى مَا بَاع هَيْبَتَهُ *** وَلَا تشكَّ إلى خلقٍ فَتَشْمتَـهَ

وقال شيخ الإسلام:

[ وكل مَن علق قلبه بالمخلوقين أن ينصروه أو أن يرزقوه، أو أن يهدوه؛

خضع قلبه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك ]


إن الوقوفَ على الأبوابِ حرمانُ *** والعجزُ أن يرجوَ الإنسانَ إنسانُ

متَى تؤمِّل مخلوقاً وتقصـــدُه *** إن كان عندكَ بالرحمنِ إيمــانُ

ثِقْ بالذي هو يُعطِي ذَا ويَمنَعُ ذا *** في كلِّ يومٍ له في خلقِه شــانُ

ومع هذا كله فلا مانع من أن تبثَّ شكواك، وتبوح بحاجتك إلى أصحاب المروءات،

وذلك في الأمور الدنيوية المقدور عليها.

ولا بُدَّ من شَكْوَى إلى ذي مُروءَة *** يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع

مع حسنِ توكلك، وقوة اعتمادك على خالقك ومولاك!

وأحيانًا قد لا يجد الإنسان حلاًّ

إلى أن يبوحَ بشكواه إلى أهل الخبرة والاختصاص.

م/ل

غرور النفس
12-05-2012, 07:37 AM
جزاك الله خير الجزاء

دمت بود

سعدمتعب
12-05-2012, 05:00 PM
بارك الله فيك مرورك تاج على راسي

الشفق
12-05-2012, 06:08 PM
الله يجزاك خير ويكتب اجرك
اخي سعد
مودتي
،
الشفق

ابو دماس
12-05-2012, 07:21 PM
جزاك الله خير الجزاء اخوي سعدمتعب

اوركيد
12-05-2012, 09:34 PM
جزآك الله خير أخوي سعد وجعلها الله في موازيين حسنآتك ..