دَخَلَتْ،ليلى الأخيليه على الحجاج بن يوسف الثقفي وحياها واحسن استقبالها ودار بينهما
حوار طويل انقل لكم بعضٍ منه واترككم مع ذلك الحوار :
سألها الحجاج :
مَا أَتَى بِكِ؟.
فَقَالَتْ:
إِخْلافُ النُّجُومِ
وَقِلَّةُ الغُيُومِ؛ وَكَلَبُ البَرْدِ
وَشِدَّةُ الجَهْدِ، وَكُنْتَ لَنَا بَعْدَ اللهِ الرِّفْد
ثُمَّ قَالَتْ: إِنِّي قُلْتُ فِي الأَمِيرِ قَوْلاً.
قَالَ: هَاتِي.
فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:
أَحَجَّاجُ لا يَفْلُلْ سِلاحُكَ، إِنَّها
المنايا بِكَفِّ اللهِ حَيْثُ تَرَاهَا
إِذَا وَرَدَ الحَجَّاجُ أَرْضاً مَرِيضَةً
تَتَبَّعَ أَقْصَى دَائِهَا فَشَفَاهَا
شَفَاهَا مِنَ الدَّاءِ العُضَالِالَّذِي بِهَا
غُلامٌ إِذَا هَزَّ القَنَاةَ سَقَاهَا
فَقَالَ: لا تَقُولِي (غُلامٌ)؛ وَلَكِنْ قُولِي: (هُمَامٌ).
أَعَادَتِ الشَّاعِرَةُ البَيْتَ وَعَدَّلَتْ فِيهِ مَا أَرَادَهُ
فَلَمَّا فرغت من شعرها نَادَى (الحَجَّاجُ): يَا غُلامُ! اذْهَبْ بِهَا إِلَى قَيِّمِ بَيْتِ المَالِ فَقُلْ لَهُ
يَقْطَعْ لِسَانَهَا.
فَذَهَبَ بِهَا الغُلامُ إِلَى خَازِنِ المَالِ،وَقَالَ لَهُ: يَقُولُ لَكَ الأَمِيرُ: (اقْطَعْ لِسَانَهَا).
فَطَلَبَ الرَّجُلُ حَجَّاماً لِيَقْطَعَ لِسَانَ الشَّاعِرَةِ، فَقَالَتْ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؛ أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَ؟! إِنَّما أَمَرَكَ أَنْ تَقْطَعَ لِسَانِي بِالصِّلَةِ، وَذَاكَ بِأَنْ تُعْطِيَنِي مالاً لا أُضْطَرُّ بَعْدَهُ إِلَى مَدْحِهِ ثَانِيَةً، لا أَنْ تَقْطَعَ لِسَانِي الَّذِي فِي فَمِي.
فَعَادَ الغُلامُ إِلَى (الحَجَّاجِ) يَسْتَفْسِرُهُ عَنْ صِحَّةِ مَا قَالَتِ الشَّاعِرَةُ؛ فَاسْتَشَاطَ (الحَجَّاجُ) غَضَباً، وَهَمَّ بِقَطْعِ لِسَانِهِ؛ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَتْ: كَادَ - وَأَمَانَةِ اللهِ - يَقْطَعُ مِقْوَلِي.
ثُمَّ أَقْبَلَ (الحَجَّاجُ) عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ
أَتَدْرُونَ مَنْ هَذِهِ ؟
قَالُوا: لا وَاللهِ أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِلاَّ أَنَّا لَمْ نَرَ قَطُّ أَفْصَحَ لِسَاناً، وَلا أَحْسَنَ مُحَاوَرَةً، وَلا أَمْلَحَ وَجْهاً، وَلا أَرْصَنَ شِعْراً مِنْهَا.
فَقَالَ: هَذِهِ (لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةُ)،
الَّتِي مَاتَ (تَوْبَةُ بْنُ الحُمَيِّرِ الخَفَاجِيُّ)
مِنْ حُبِّهَا.
ثُمَّ التَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ: أَنْشِدِينَا يَا (لَيْلَى) بَعْضَ مَا قَالَ فِيكِ (تَوْبَةُ).
قَالَتْ: نَعَمْ أَيُّهَا الأَمِيرُ، هُوَ الَّذِي يَقُولُ:
وَهَلْ تَبْكِيَنْ لَيْلَى إِذَا مُتُّ قَبْلَهَا
وَقَامَ عَلَى قَبْرِي النِّسَاءُ النَّوَائِحُ
كَمَا لَوْ أَصَابَ المَوْتُ لَيْلَى بَكَيْتُهَا
وَجَادَ لَهَا دَمْعٌ مِنَ العَيْنِ سَافِحُ
وَأُغْبَطُ مِنْ لَيْلَى بِمَا لا أَنَالُهُ
بَلَى كُلُّ مَا قَرَّتْ بِهِ العَيْنُ صَالِحُ
وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْ
عَلَيَّ وَدُونِي جَنْدَلٌ وَصَفَائِحُ
لَسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشَاشَةِ أَوْ زَقَا
إِلَيْهَا صَدًى مِنْ جَانِبِ القَبْرِ صَائِحُ
فَقَالَ (الحَجَّاجُ): يَا (لَيْلَى) !
مَا الَّذِي رَابَهُ مِنْ سُفُورِكِ؟.
فَقَالَتْ: أَيُّهَا الأَمِيرُ، كَانَ يُلِمُّ بِي كَثِيراً، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ يَوْماً أَنِّي آتِيكِ؛ وَفَطِنَ الحَيُّ، فَأَرْصَدُوا لَهُ؛ فَلَمَّا أَتَانِي سَفَرْتُ عَنْ وَجْهِي؛ فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لِشَرٍّ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالرُّجُوعِ.
فَقَالَ:
للهِ دَرُّكِ!
فَهَلْ رَأَيْتِ مِنْهُ شَيْئاً تَكْرَهِينَهُ؟.
قالت : وَاللهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ أَنْ يُصْلِحَكَ،
مَا رَأَيْتُ مِنْهُ شَيْئاً اكرهه
حَتَّى فَرَّقَ المَوْتُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ.
انتهى .
تحياتي لكم
عصي الدمع