تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مدرسة التربية النبوية


كنزي
07-20-2012, 04:25 PM
مدرسة التربية النبوية

نماذج مضيئة من اسس التربية من هدي نبينا محمد عليه الصلاة والسلام

مفهوم التعليم والتعلم والفرق بينهما.
التعليم هو "مجهود شخص لمعونة آخر على التعلم، أو نقل المعلومات من المعلم إلى المتعلم بقصد إكسابه المعرفة".
والتعلم هو " عملية يغير بها الإنسان مجرى حياته بصورة مستمرة نتيجة لتفاعله مع بيئته، وهذا التغير يجري في نفس المتعلم من نواحي ثلاث:

1 ـ الناحية الفكرية: وهي ما يتعلق بتحصيل العلوم والمعارف.

2 ـ الناحية العلمية: وهي ما يتعلق بتكوين العادات والمهارات.

3 ـ الناحية العاطفية: وهي ما يتعلق بتهذيب الحس الخلقي والنفسي والروحي".

وقال آخر: " التعلم ما هو إلا تغيير في السلوك ناتج عن استثارة، هذا التغير في السلوك قد يكون نتيجة لأثر منبهات بطيئة، وقد يكون نتيجة لمواقف معقدة ".

والفرق بين التَعَلُم والتعليم " أن التَعَلم مجهود شخصي، ونشاط ذاتي، يصدر عن المتعلم نفسه، بمعونة المعلم وإرشاده، بينما التعليم توجيه لعملية التعلم وحفز المتعلم، واستثارة قواه العقلية، ونشاطه الذاتي، وتهيئة الظروف المناسبة التي تمكن المتعلم من التعلم".

ومما سبق ندرك أن كلا من التعليم والتعلم يُساهم في عملية نقل المعلومات من طرف إلى طرف آخر، ويُغير مجرى حياة الإنسان نتيجة تفاعله وتأثره بمعلومات الطرف الآخر.

كنزي
07-20-2012, 04:26 PM
مدرسة التربية النبوية

نماذج مضيئة من اسس التربية من هدي نبينا محمد عليه الصلاة والسلام

مفهوم التعليم والتعلم والفرق بينهما.
التعليم هو "مجهود شخص لمعونة آخر على التعلم، أو نقل المعلومات من المعلم إلى المتعلم بقصد إكسابه المعرفة".
والتعلم هو " عملية يغير بها الإنسان مجرى حياته بصورة مستمرة نتيجة لتفاعله مع بيئته، وهذا التغير يجري في نفس المتعلم من نواحي ثلاث:

1 ـ الناحية الفكرية: وهي ما يتعلق بتحصيل العلوم والمعارف.

2 ـ الناحية العلمية: وهي ما يتعلق بتكوين العادات والمهارات.

3 ـ الناحية العاطفية: وهي ما يتعلق بتهذيب الحس الخلقي والنفسي والروحي".

وقال آخر: " التعلم ما هو إلا تغيير في السلوك ناتج عن استثارة، هذا التغير في السلوك قد يكون نتيجة لأثر منبهات بطيئة، وقد يكون نتيجة لمواقف معقدة ".

والفرق بين التَعَلُم والتعليم " أن التَعَلم مجهود شخصي، ونشاط ذاتي، يصدر عن المتعلم نفسه، بمعونة المعلم وإرشاده، بينما التعليم توجيه لعملية التعلم وحفز المتعلم، واستثارة قواه العقلية، ونشاطه الذاتي، وتهيئة الظروف المناسبة التي تمكن المتعلم من التعلم".

ومما سبق ندرك أن كلا من التعليم والتعلم يُساهم في عملية نقل المعلومات من طرف إلى طرف آخر، ويُغير مجرى حياة الإنسان نتيجة تفاعله وتأثره بمعلومات الطرف الآخر.

كنزي
07-20-2012, 04:28 PM
المعلم أهم عناصر العملية التعليمية والتربوية
يعتبر المعلم " القاسم المشترك الأعظم في جميع الأنظمة التربوية , ويتفق قادة الفكر والمربون على أن المعلم هو العنصر الفعال في تحقيق الأهداف التربوية , والركيزة الرئيسية في العملية التعليمية التي لا تعلوها أداة , ولا تعوضها وسيلة " , فمهما اُستحدث في التعليم من طرق ووسائل , أو أضيف إليه من موضوعات جديدة , أو تطوير في مناهجه , ومهما رصد له من أموال , أو أقيمت له أفخم المباني , وزود بأحدث الأجهزة والأثاث , فإن ذلك كله لا يمكن أن يترجم إلى مواقف موضوعية , وتفاعلات اجتماعية , وخصائص سلوكية , إلا عن طريق المعلم , فهو " المحرك القوي لكل تلك الجوانب , والقائد الفكري والعملي لعملية التعليم " , وهو الذي يبعث فيها النشاط ويكمل ما فيها من نقص , ويستطيع الرقي بها إلى المستوى المأمول .
والمعلم وارثا من ورثة الأنبياء , ففي حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله تعالى يقول (........ وإن العلماء ورثة الأنبياء, وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً, وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر ).
وكفى بهذا شرفاً وفخراً للمعلم , فإن الأنبياء عليهم السلام قد وصلوا إلى أعلى درجات الكمال البشري , وهم قادة الأمة , و معلموا الأجيال , ودعاة العدل والإصلاح .
ولمعلمي هذه الأمة من هذا الشرف أعظمه وأوفره ؛ لأنهم ورثة أفضل الأنبياء والمرسلين عليهم السلام , وهو خاتمهم , و أكملهم نشأة وتربية , ولم يزل معروفاً بكل خصال الخير حتى توفاه الله تعالى, فقد بين أن التعليم مهنته ووظيفته , بقوله عليه الصلاة السلام : ( إن الله لم يبعثني معنتاً و لا متعنتاً, و لكن بعثني معلماً ميسراً) , كما شهد له بذلك صحابته الكرام رضي الله عنهم , فهذا معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يقول :" ........... فبأبي هو و أمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ".
فكان من آثار حسن تعليمه وتربيته, أن تخرج على يديه ثلة من العلماء الجهابذة في شتى الميادين, حتى قال بعضهم:" لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه لإثبات نبوته ".
وبالتالي يوجب هذا على المعلمين العناية الخاصة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم , لأنها " مصدر هداية , وسبيل رشاد للمعلمين في أداء مهامهم التعليمية , و فيها فيض من المعرفة والهداية , والخلق الإسلامي الذي ينبغي أن يتزود به المعلمون , ويساعدوا تلاميذهم على اكتسابه ".

كنزي
07-20-2012, 04:35 PM
النقد التربوي ضرورةٌ حياتية :
إن ثقافةُ النقد التربوي تعدُّ ضرورةً على جميع المستويات ، وفي مختلف مناشط الحياة ، سواء في مجالات الإنتاج أو الخدمات أو الفكر والتنظيم أو الكتابة والتأليف أو التربية والتعليم أو غيرها ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وكُلُّ بَشَرٍ على وجه الأرض فلا بد له من أمر ونهي ، ولا بد أن يأمر وينهى ، حتى لو أنه وَحْدَه لكان يأمر نفسه وينهاها ، إما بمعروف وإما بمنكر ، كما قال تعالى : ( إن النفس لأمارة بالسوء) ( يوسف : ٥٣ ) ، ... وبنو آدم لا يعيشون إلا باجتماع بعضهم مع بعض ، وإذا اجتمع اثنان فصاعداً فلا بد أن يكون بينهما ائتمار بأمر ، وتناهٍ عن أمر ... " ، لاسيما وأن العقولَ والأفهامَ مِنَحٌ من الله تعالى يتفاوت الناس فيها تفاوتاً عظيماً ، وقد يقع بسبب هذا التفاوت خلافٌ بينهم في وُجهات النظر ، ومَسالكِ الاجتهاد ، وتحليلِ المواقف وتفسيرِها ، وهذه سنة الله تعالى في خلقه ، فهم مختلفون في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم ومدركاتهم ومعارفهم وعقولهم ، كما قال الله تعالى : ( ومن ءايته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم و ألوانكم إن في ذلك لأيات للعالمين ) ( الروم : ٢٢ ) ، وهذا الاختلاف الظاهري دالٌّ على الاختلاف في الآراء والاتجاهات والأغراض ، مما يبيِّن بِجَلاءٍ أهميةَ معرفةِ النقد التربوي في تصحيح المسار السلوكي ، ومواجهة الآراء الشاذة ، والأفكار المنحرفة ، والتحليلات الخاطئة .
يقول القاسمي رحمه الله : " ومهما بلغتْ الأنفسُ من الكمال شأواً كبيراً ، وحصلتْ من السعادة على درجةٍ عظيمةٍ فهي في حاجةٍ إلى النصح والإرشاد " ، ذلك أن الكمالَ غيرُ متاحٍ لأحدٍ من البشر ، وإنما هو لله تعالى وحده ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كل ابن آدم خطّاء ، وخير الخطّائين التوابون )) ، ومن هنا فالعلماء " كلهم معترفون بأن الإحاطة بالعلم كله من غير شذوذ شيءٍ منه ليس هو مرتبة أحدٍ منهم ، ولا ادعاه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين ، فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم ، وإن كان صغيراً ، ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم " .
فالناقدُ التربوي يستحضر هذا المعنى ، ويضعُ الأمورَ في إطارِها الصحيح ، فلا يفترض المثالية أو العصمة في الأشخاص ثم يحاسبهم على ضوئها ، بل يعاملهم معاملةً واقعيةً صادرةً عن معرفةٍ تامةٍ بطبيعة النفس البشرية ، المتأثرة بعوارض الجهل والغفلة والنقص والهوى والنسيان .
ومما يجعل النقد التربوي ضرورةً لازمةً ضعفُ العقل البشري ، بمعنى عدم كماله ، وليس بمعنى عجزه ، ومن آثار هذا الضعف أنه :
• يدرك شيئاً وتغيب عنه أشياء .
• قد يدرك شيئاً إدراكاً غير صحيح .
• يرى اليوم ما لم يره بالأمس .
ومن هنا ما بَرِحَ الناسُ في مختلف العصور في حاجةٍ ماسةٍ إلى من يُعَلِّمهم إذا جهلوا ، ويُذكِّرهم إذا نَسوا ، ويجادلهم إذا ضلوا ، ويَكُفُّ بأسَهم إذا أضلوا ، ولأجل ذلك عهد الشارع الحكيم إلى الأمة أن تقوم طائفةٌ منها على الدعوة إلى الخير ، وإسداء النصح للأفراد والجماعات ، ولا تخلص من عهدتها حتى تؤديها طائفةٌ على النحو الذي هو أبلغ أثراً في استجابة الدعوة ، وامتثال الأوامر واجتناب النواهي .
أضف إلى ذلك أن العلوم والمعارف والنظريات العلمية في تجدُّدٍ مستمر ، وتطورٍ دائم ، وهي في حاجةٍ مُلِحَّةٍ إلى شيءٍ من الفحص والتأمل فيما دلت عليه ، والنظر في مدى مصداقيتها ونفعها للبشرية ، وإعمال النقد التربوي في مضمونها ونتائجها المتوقعة ، لاسيما مع الاختلاف في مبادئها وأصولها ، يقول حاجي خليفة رحمه الله : " والمسائل العلمية تتزايد يوماً فيوماً ، بتلاحق الأفكار والأنظار ، فلتفاوت مراتب الطبائع والأذهان لا يخلو علمٌ من العلوم عن تصادم الآراء ، وتباين الأفكار ، وإدارة الكلام من الجانبين للجرح والتعديل ، والرد والقبول ، وإلا كان مكابرةً غير مسموعة ، فلا بد من قانونٍ يعرف مراتب البحث على وجه يتميز به المقبول عما هو المردود ، وتلك القوانين هي علم آداب البحث " .

كنزي
07-20-2012, 04:38 PM
ضوابط الابتعاث.
ومع أن الابتعاث جائز ومباح في أصله، إلا أنه نظرا لآثاره المدمرة، وسلبياته المُهلِكة، وضع منهح التربية الإسلامية شروطا وضوابط للابتعاث، ومن هذه الضوابط ما يلي:
أولا: أن يكون الابتعاث لضرورة أو لحاجة ماسة، كطلب علم، أو تخصص لا يوجد أو هو نادر في بلاد المسلمين، ولهذا يجب أن يتخصص الطلاب المُبتَعثون بالعلوم البحتة التطبيقية التي تحتاج إليها أمة الإسلام، دون غيره من العلوم والتخصصات، يقول الصبّاغ في معرض حديثه عن نوعين من المعارف تشد من أجلهما الرحلة في طلب العلم: " أما أولهما فلا بد من أخذه وإتقانه بالرحلة وغيرها، وهذا النوع من المعارف هو ما يتصل بالعلوم البحتة والتطبيقية كالرياضيات والكيمياء والفيزياء والهندسة والطب، وما إلى ذلك.
وأما النوع الثاني من المعارف والعلوم فهو قسمان: أحدهما: قسم يتضمن العلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية وآدابها، فليس هناك فائدة ترجى من أخذه من الغرب.. أليس أمرا مخجلا أن يذهب رجل من المسلمين إلى اليهود والنصارى، فيتعلم منهم أمور دينه، أو يذهب إلى الأعاجم فيتعلم لغته، لذا فإن دراسة هذه العلوم يجب أن تمنع في ديار الكفار، ويجب أن تتم في بلاد المسلمين.
والآخر: قسم يتضمن دراسة الفنون من رقص، ومسرح، وسينما، ونحت، وموسيقى، وما إلى ذلك، فدراسة مثل هذه الأمور محظور في أي مكان في بلادنا أو بلاد أعدائنا، ودراستها هناك أشد حظرا، ويمكن أن يلحق بهذا كل دراسة تنتهي بالدارس إلى الشك والزيغ " ثانيا: والطالب المُبتَعَث لا بد أن يتحقق فيه: الحصانة القوية: من التقوى، والصلاح، والذكاء، والعلم، فمن عُرف عنه التهاون بأحكام الدين، أو الانحراف في فكره أو خلقه، فلا يجوز بعثه، و ينبغي أن يكون الطالب متزوجاً ليصطحب أهله في سفره.
ثالثا: على الدولة –قبل بعثهم- أن تعني بهم عناية كاملة حتى يكونوا قدوة حسنة ودعاة صالحين.
رابعا: كما أن على الدولة –بعد بعثهم- أن تعني بمتابعتهم، وتهيئة سبل الاستقامة لهم، من بناء المساجد وفتح المدارس العربية الإسلامية، وتكليف الدعاة والعلماء بالسفر إليهم لإرشادهم وتوجيههم، وإذا أمكن جمعهم في مدن محدودة فهو أولى ليسهل توجيههم والإشراف عليهم .
ومن خلا ما سبق يتضح أن التعليم وسيلة من وسائل التفاعل الحضاري وذلك من خلال:
1- أن احتكاك الطلاب مع أفراد المجتمع الذي يتعلمون منه يؤدي إلى تبادل الثقافات بين الأمم عن طريق التعليم والابتعاث، مما يؤثر سلبا أو إيجابا على عادات ومعتقدات وثقافات الشعوب.
2- من خلال التعليم يتم التعرف على تاريخ وحضارات الأمم، وعاداتهم وأديانهم.
3- من خلال التعليم والابتعاث يتم توطيد عرى الصداقة، وزيادة فرص التعاون مع المجتمعات الأخرى.
وإن دور التربية ورجال التعليم في تحقيق التفاعل الحضاري الإيجابي واجتناب السلبي منه يكون في:
1- تبصير الأفراد والمجتمع بأهمية التعليم وخطورته، حيث يكون التعليم مهما لنقل التكنولوجيا، وزيادة المخترعات، وتطوير جميع مناحي الحياة، كما أن له خطورته في نقل أفكار ومعتقدات واتجاهات مناقضة للإسلام.
2- تطوير أهداف وبرامج المراحل الدراسية، واستفادة الجوانب المادية والعلمية التي عند الأمم الأخرى " وينبغي النظر إلى المحتويات التعليمية ومضامينها كمواد بنائية في المجتمع، ذلك أنها تستمد معناها من النظام الثقافي الشامل للمجتمع.. ويرجع كثير من الظواهر الاجتماعية التي تعكس الاضطراب والتفكك الاجتماعي –ضمن ما يرجع- إلى عدم فعالية المحتويات والمضامين التعليمية، وعدم ملاءمتها للتشكيل التربوي المتكامل للأفراد "3- ضبط الابتعاث إلى الغرب بالضوابط الشرعية، ليكون العائد منه لصالح الأمة.
4- تعزيز التربية الإسلامية الحقة بإدراجها في كل مراحل المنهاج الدراسي، وينبغي عند تدريسها اعتماد الطرق والتقنيات الحديثة التي تضفي عليها نوعا من الجاذبية وتضمن لها الفعالية.
5- إضفاء الطابع الإسلامي على التعليم، وذلك بتدريس كل المواد المقررة من وجهة نظر إسلامية مع التركيز على التاريخ الإسلامي وجغرافية العالم الإسلامي والثقافة والحضارة الإسلاميتين ودورهما في إغناء التراث الإنساني .ويجب أن تتعامل الاستراتيجية التربوية الإسلامية مع العلوم والتكنولوجيا باعتبارها إحدى المكونات الأساسية للحضارة المعاصرة، وتحث المجتمعات الإسلامية على اكتسابها وتطويرها، ولبلوغ هذا الهدف يجب أن تحظى العلوم والتكنولوجيا بمكانة هامة في المناهج التربوية مع الحرص على إضفاء الطابع الإسلامي على تدريس هذه المواد.
6- التمسك بالعربية لغةً للعلم في كل مراحل التعليم، وفي كل فنونه المختلفة، لمواجهة الغزو الثقافي الوافد من الغرب، الذي يهدف التقليل من قدرتها على مواكبة التقدم والتقنية والحضارة في عصر العلم والمدنية. وليعلم رجال التربية والتعليم " أن الأمم لا تحيا إلا بإحياء لغتها والاعتزاز بها، وجعلها لغة التربية والتعليم، ولغة العلم والتقنية، فاليابان، وكوريا، وسنغافورة، وهونج كونج،لم يمنعهم تعقيد لغاتهم من تحقيق نهضة علمية بلغتهم الذاتية، ولم تكن اليابان من البلاهة، وهي تأخذ من أمريكا وأوروبا أسرار العلم والتقنية، وتترك لهم لغتهم، ثم سبقتهم في مجالات الصناعة والاقتصاد والإدارة، كل ذلك حدث بلغتها هي، لا بلغتهم، وحققت تفوقا ساحقا عليها بات يهدد التفوق الأمريكي في كل المجالات الصناعية، وأثبتوا صحة ما أكده علماء اللغة المنصفين الذين يعتقدون اعتقادا جازما في قدرة كل لغة على التعبير عن أية فكرة متى قامت في نفوس أصحابها "

كنزي
07-20-2012, 04:39 PM
أهمية الآداب للمعلم (1)
إن من أهم ما يميز المجتمع المسلم في كل جانب من جوانب حياته أنه مجتمع الآداب الإنسانية الرفيعة ، يزين كل شيء فيه فضائل سامية ، وآداب عالية ، تجعل الحياة فيه مليئة بالخير والنماء ، والبذل والعطاء ، يشعر كل فرد فيه بأخوة إيمانية ، يبني عليها علاقاته مع سائر أفراد مجتمعه ، فيتعامل معهم بالصدق والأمانة ، والرحمة والشفقة ، والإحسان والإيثار ، وغير ذلك من الآداب الإسلامية التي ينشأ عنها مجتمع متكافل ، تسوده الرحمة والتآلف والتعاون ، إذ الآداب الإسلامية ، والأخلاق الفاضلة ، تعد دعامة أساسية ، وركيزة أولى لبناء الأفراد والمجتمعات ، " وما سر نجاح المسلمين الأوائل في نشر الدعوة الإسلامية ، وبناء مجتمع مترابط قوي الصلات ، مؤمن بربه ، واثق بنفسه ، إلا لتمسكهم بالأخلاق الإسلامية الفاضلة ، وما ضياع الأمة الإسلامية اليوم إلا بسبب تخليها عن أخلاقها الإسلامية الفاضلة . . . لـذا كـان لزامًا علينا تصحيح مفاهيمنا عن الأخلاق الإسلامية ، ومن ثم المبادرة إلى تطبيقها في واقع حياتنا اليومية ، وهذا لن يتأتى إن لم يكن المدرسون ملتزمين بها ، وحريصين على تطبيقها في حياتهم اليومية ، حتى يكونوا قدوة لطلابهم " .
فالمعلم هو أولى الناس بالتـزام الآداب الإسلامية ، والتخلق بها كما أشار إلى ذلك ابن جماعة – رحمه الله – حيث قال : " إن من أهم ما يبادر به اللبيب شرخ شبابه ، ويدئب نفسه في تحصيله واكتسابه ، حسن الأدب الذي شهد الشرع والعقل بفضله ، واتفقت الآراء والألسنة على شكر أهله ، وإن أحق الناس بهذه الخصلة الجميلة ، وأولاهم بحيازة هذه المرتبة الجليلة ، أهل العلم الذين حلوا به ذروة المجد والسناء ، وأحرزوا به قصبات السبق إلى وراثة الأنبياء " .
ولذا فإن من أهم خصائص المعلم الناجح التـزامه بالآداب الكريمة ، التي يتطلبها الموقف التعليمي ؛ إذ التـزامه بها يؤدي إلى إنتاج تعليم هادف ، وتربية ناجحة ، وإخراج جيل صالح ، ونشء متميز ، وهذا يتطلب من المعلم معرفة ما كـان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلق جم ، وأدب رفيع ، حتى وصفه ربه جل وعلا بقوله : (وإنك لعلى خلق عظيم) ، فهو القدوة الأولى للمعلمين، ولذا كانت وصاية سلفنا الصالح للجميع الالتزام بالآداب التي وردت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، قال إبراهيم الحربي : " ينبغي للرجل إذا سمع شيئًا من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسك به " ، وقد كانت عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالآداب الفاضلة تظهر في صور مختلفة منها :

1. بيانه صلى الله عليه وسلم للأمة أن من أعظم المقاصد التي بعث من أجلها هو إتمام مكارم الأخلاق ، حيث قال : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .
2. أن النبي صلى الله عليه وسلم عد حسن الخلق من أعظم ما يهبه الله تعالى للإنسان ، حيث قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن خير ما أعطي الناس ؟ " خلقٌ حسن " .
3. دعوته صلى الله عليه وسلم الناس إلى تحسين أخلاقهم ، وبيانه للأجر العظيم الذي يترتب على ذلك ،
بقوله صلى الله عليه وسلم: " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " ، وقوله صلى الله عليه وسلم:"أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه"، وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم " .
4. دعاؤه صلى الله عليه وسلم ربه أن يهبه محاسن الأخلاق ، وأن يصرف عنه سيئها ، هذا مع ما كان عليه صلى الله عليه وسلممن الأخلاق الفاضلة ، والشيم الرفيعة ، التي لا يدانيه فيها أحد ، فقد ورد عنـه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ربه فيقول : " . . . واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت . . . " .
كما كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أسألك صحـة في إيمـان ، وإيمانًا في خلق حسن . . . ".
5. تطبيقه صلى الله عليه وسلم للأخلاق الفاضلة ، والتزامه بها عمليًا مع سائر أفراد المجتمع من حوله ، مما كان له أكبر الأثر في نفوسهم ، فهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا " ، ويقول : " خدمت رسـول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال لي : أفاً قط ، ولا قال لي لشيء : لم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا ؟ " فإذا كان هذا حاله مع الخادم فكيف بغيره !!
وسنبرز أهمية الآداب للمعلم في الجزء الثاني إن شاء الله.

كنزي
07-20-2012, 04:40 PM
أهمية الآداب للمعلم (2)
وبناءً على ماذكر في الجزء الأول فأهمية آداب المعلم هي:
1 ) إن التزام المعلم بهذه الآداب ، وتحليه بها يساعده على أداء مهمته التعليمية ، والقيام بوظيفته التربوية ، على أكمل وجه ، كما أن تخليه عنها ، وإهماله لبعضها ، يؤدي إلى ضعف سير العمل التربوي داخل المدرسة أو خارجها ، فإن " كل عملية تربوية يتولى أمرها معلم لا يعرف جوانب رسالته ، وأخلاقيات مهنته ، ولا يدرك آثارها ، وانعكاساتها التربوية على مستقبل الفرد والمجتمع ، فهي عملية فاشلة " إذ أن " أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه ، وقلة أدبه عنوان شقاوته
وبواره ، فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب ، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة
الأدب " .
2 ) إن آداب المعلم وأخلاقه الظاهرة عليه ، هي محل نظر الناس عامة ، وطلابه خاصة ، فهم يرقبون حركاته وسكناته ، وينظرون إلى أفعاله وتصرفاته ، لأنها المقياس عندهم لمدى استفادته من العلم الذي تحمَّله ، ولمصداقية ما ينقله لهم من معلومات ومعارف ، فكان تأثرهم بها أشد من تأثرهم بالمعلومات التي أخذوها عنه ، فهذا ابن وهب يقول : " ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه " .
وهذا سلم بن جنادة يقول : " جالست وكيعًا سبع سنين ، فما رأيته بزق ، ولا مس حصاة ، ولا جلس مجلسًا فتحـرك ، وما رأيته إلا مستقبل القبلة ، ومـا رأيته يحلف بالله " ، بل إن بعضهم جعل مقصده من الذهاب إلى المعلم اكتساب آدابه وأخلاقه ، ومنهم أبو بكر المطوعي ، حيث يقول : " اختلفت إلى أبي عبد الله ثنتي عشرة سنة ، وهو يقرأ المسند على أولاده ، فما كتبت عنه حديثًا واحدًا ، إنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه " .
وقيل : كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون ، نحو خمسمائة يكتبون ، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت " .
كما كان بعض أولياء الأمور يوصي ولده بالحرص على تعلم الأدب من معلمه ، والاقتداء به في هديه وسمته وعبادته ، ثم يأخذ عنه العلم بعد ذلك ، فهذا إبراهيم بن حبيب الشهيد ، يحكي عن والده أنه كان يقول له : " يا بني ، إيت الفقهاء والعلماء ، وتعلم منهم ، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم ، فإن ذلك أحب إلي لك من كثير من الحديث " .
ولهذه الأهمية بيّن أهل العلم الأوصاف التي ينبغي مراعاتها عند اختيار المعلم فقالوا :
" ينبغي للطالب أن يقدم النظر ، ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه ، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه ، وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته ، وتحققت شفقته ، وظهرت مروءته ، وعرفت عفته ، واشتهرت صيانته ، وكان أحسن تعليمًا ، وأجود تفهيمًا " .
3 ) إن التزام المعلم بالآداب سبب لفهمه للعلم وضبطه ، وأدعى لتحري الصدق والأمانة في نقله ، قال يوسف بن الحسين :" بالأدب تتفهم العلم ، وبالعلم يصح لك العمـل " .
وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي : " من أراد العلم والفقه بغير أدب ، فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله " صلى الله عليه وسلم.
وذلك لأن الأدب يجعل المعلم ينقل إلى تلاميذه ما صح عنده ، ويبلغهم العلم كما سمعه ، فقد كان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم إن لا هكذا وإلا فكشكله " ، وكان القاسم بن محمد بن أبي بكر ينهى أن يتكلم الإنسان في شيء لا علم له به ، فيقول : " إن من إكـرام المرء نفسه ألا يقول إلا ما أحاط به علمه " .
كما أنه يجعل المعلم مطمئنًا أثناء تعليمه ، بحيث إذا سئل عما لا يعلم فإنه لا يتورع أو يتحرج من قول : " لا أدري " ، يقول ابن وهب : " لو شئت أن أملأ ألواحي من قول مالك لا أدري لفعلت " ، هذا مع أن مالكًا – رحمه الله – لم يتصدر للتدريس والفتيا حتى شهد له سبعون أنه أهل لذلك " .
وهذا بالتالي يرفع من قدر المعلم عند طلابه ، ويكسبه احترامهم ، لأنهم لمسوا منه حرصه على التحري عند نقل المعلومة ، وتثبته عند إجابتهم على أسئلتهم .
4 ) أن التزام المعلم بالآداب الفاضلة يجعل أثره في نفوس المتعلمين واضحًا ملموسًا ، حيث أنهم سيقبلون منه نصائحه وتوجيهاته ، ذلك لأن النفوس مجبولة على حب من يحسن إليها ، ويعاملها باللطف والرفق ، وبغض من يسيء إليها ، ويعاملها بالشدة والقسوة ، قال أبو العباس السفاح : "من شدد نفّر ، ومن لان تألّف".
وقد ذكر كثير من أهل العلم أن من صفات المعلم الناجح حسن معاملته لطلابه ، كالعدل بينهم، والسعي في مصالحهم ، ومساعدتهم بما تيسر عليه من جاه أو مال ، والتواضع لهم ، والسؤال عمن غاب منهم ، إلى غير ذلك مما يترك للمعلم مكانة كبيرة في نفوس طلابه ، قد تَرْبوا علـى منـزلة الوالد ، ولذلك جاء في الحديث : " إنما أنا لكـم بمنـزلة الوالد أعلمكم " ، وبالتالي فإنـه يستطيع بهذه المنـزلة أن يوجه المتعلمـين إلى ما فيه سعادتهم ، وينهض بالعملية التعليمية إلى أعلى مستوياتها ، مما يعود على المجتمع بالخير والبذل ، ويشيع في جنباته المحبة والصفاء .

كنزي
07-20-2012, 04:45 PM
نموذج فريد في حسن الخلقلقد ضرب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الخلق الرفيع وهو يعلم صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، وإليك هذا الحديث ليكون لك أسوة وقدوة عند ممارستك لمهنة التربية والتعليم .
فمن النماذج الرائعة التي تأثرت بخلق النبي صلى الله عليه وسلم وحَفَزَهُم حسن معاملته، معاوية ابن الحكم السلمي رضي الله عنه حيث قال: ((بينما أن أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلتُ: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلتُ: واثكل أُميِّاه،! ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني))، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» رواه مسلم .
إن المسلم بحاجة ماسة إلى التمثل بهذه الأخلاق النبيلة المؤثرة في النفوس في تعامله مع أبنائه وتلاميذه ومن حوله، فالرفق وبشاشة الوجه وحسن الخلق، واحتمال الأذى، ومعاملة كل شخص بما يناسبه وغيرها من ضروب المعاملة الحسنة مما يدعوا إلى قبول ما يأمر به ويدعوا إليه بل محبته والإحسان إليه .
وهنا يحسن التنبيه على ضرورة التحلي بالأخلاق الحسنة والتأكيد على فضلها، وبيان أثرها في النفوس.
وقال صلى الله عليه وسلم في الترغيب بحسن الخلق في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما «إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقاً» رواه البخاري .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه» رواه مسلم .
فبالخلق الحسن يستطيع المسلم أن يكسب احترام الآخرين ومحبتهم وبالتالي يسهل عليه تعليمهم وتربيتهم وتوجيههم .

كنزي
07-20-2012, 04:46 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
إن تنمية المسؤولية الاجتماعية هي تنمية للجانب الخلقي الاجتماعي في شخصية المسلم، لا تنفصل عنه بل تتكامل معه، كما أنّ تنمية هذا الجانب الخلقي الاجتماعي ليس منفصلا عن تنمية الشّخصية المسلمة كلها بل تتكامل معه.
أي أن تنمية المسؤولية الاجتماعية جزء من التربية العامة للشخصية المسلمة، وتربيتها من جوانبها كافة: انفعالية، ومعرفية، وذوقية، واجتماعية.([1])
و إنّ تربية الإحساس والشعور بالمسؤولية من الأمور التي بنت التربية الإسلامية ركائزها عليها، وذلك لما للإحساس بالمسؤولية وغرسها في النفوس وممارستها في الواقع من أثر كبير في تربية الأفراد والمجتمعات.([2])
والمسؤولية معناها: تحمل الشخص نتيجة التزاماته وقراراته واختياراته العملية من الناحية الإيجابية والسلبية أمام الله في الدرجة الأولى، وأمام ضميره في الدرجة الثانية، وأمام المجتمع في الدرجة الثالثة.([3])
والمسؤولية لها مستويات ثلاثة مترابطة متكاملة، وهي:
المسؤولية الفردية الذاتية. وهي مسؤولية الفرد عن نفسه وعن عمله، وهذا المستوى أساسي يسبق المسؤولية الاجتماعية.
المسؤولية الجماعية: وهي مسؤولية الجماعة جماعيا، وبكاملها وككل من أعضائها وعن سلوكها، وهذا المستوى يدعم المسؤولية الاجتماعية، ويعززها.
المسئولية الاجتماعية: وهي تعني: المسؤولية الفردية عن الجماعة، هي مسؤولية الفرد أمام ذاته عن الجماعة التي ينتمي إليها.([4])
والشعور بالمسؤولية له أهمية كبيرة للفرد والمجتمع، "وكلما عظم الشعور بالمسؤولية لدى الأفراد، وعظم إدراكها في النفس، صلح أمر الفرد، وصلح المجتمع بصلاحه؛ ولذلك كان رقي الأمم مرتبطا بدقة هذا الشعور، وسمو الإدراك به عند أبنائها، ولاسيما عند الذين يتصدرون مراكز التوجيه، ويملكون أزِمّة الحكم، ويتولون مقاليد الأمور"،([5])
وأهم أركان المسؤولية الاجتماعية، هي مسؤولية الرعاية وهي نابعة من الاهتمام بالجماعة المسلمة، ومسؤولية الرعاية في السنة النبوية موزعة في الجماعة كلّها بلا استثناء، كلّ من في الجماعة راع، وكلّ من فيها مسؤول عن رعيته، لكل عضو في الجماعة نصيبه من مسؤولية الرعاية، في كلّ عمل يعمله وفي كل منشط من مناشط الحياة يؤدّي دوراً أو يحمل فيه تبعة.
والأصل في الرعاية الاجتماعية ما روي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته, فالأميرُ الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته, والرجل راع على أهل بيته, وهو مسؤول عن رعيته. وعبد الرجل راع على مال سيده, وهو مسؤول عنه. ألا كلكم راع وكُلُّكم مسؤول عن رعيته))([6])
وعنه - أيضا - , أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّكُم راعٍ وكُلُّكم مسؤول عن رعيَّته, الإمام رَاعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيّته, والرَّجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته, والمرأة راعية في بيت زوجها, والخادمُ في مال سيِّده)) سمعتُ هؤلاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأحسبُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والرجل في مال أبيه)).([7])
قال ابن بطال: "الراعي: هو الحافظ المؤتمن، الملتزم صلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره، فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته، فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر، وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه".([8])
وهذا الحديث النبوي جاء ليبين المنهج التربوي للمسؤولية عن كلّ فرد مهما كان دوره بسيطا، ومهما كان حجم هذه المسؤولية، فوضح الحديث أنّ كلّ إنسان راع في ما استرعى عليه، ومسؤول عما تحت يده من شؤون رعيته، وبذلك نصل إلى أصل من أصول التربية الإسلامية يتمثل في أنّ حياة المسلم قائمة على الشعور بالمسؤولية، ومن ثم أداء الحقوق والقيام بالواجبات، والحديث مليء بدروس تربوية في ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، ومن هذه الدروس التربوية النبوية في هذا الحديث:([9])
1- أنه ليس هناك إنسان مسلم بالغ عاقل راشد إلا وهو مسؤول عن أمر من الأمور يديره ويتولاه، ولا بدّ له من رعية يرعاها ويُسأل عنها في الدنيا والآخرة. وهنا درس تربوي نبوي يربي المسلم على الشعور بالمسؤولية وعلى الاهتمام بشؤون من هم تحت مسؤوليته، وضرورة القيام بواجباتهم وحقوقهم، وفي ذلك تقرير للمسؤولية وتربية على الاهتمام بالأمور الشخصية والجماعية وحقوقهم.
2- أنّ كلّ مسلم راع ومسؤول مهما صغر شأنه أو قلّت مسؤوليته، فإنّ من لم تكن له رعية يرعاها ويهتم بها كان راعيا على نفسه وأعضائه وجوارحه وقواه وحواسه وكل ما وهبه الله، فلا يظنن أحد من الناس أنه خال من المسؤولية أو خارج عن نطاقها. وهنا درس نبوي يربي المسلم على ما يسمى بالرقابة الذاتية التي تجعل من الإنسان المسلم رقيبا على نفسه في جميع حركاته وسكناته، وأفعاله وأقواله، فإذا كان ذلك كذلك تحققت التربية الإسلامية المثالية التي تدعو إلى القول الجميل والفعل الحسن، والأداء المتقن، وكان المسلم بذلك أرعى النّاس على ما يؤتمن عليه ويناط به من مهام ومسؤوليات.
3- أن الإمام مسؤول اجتماعيا عن كل من تحت إمرته، ولذلك فعليه مسؤولية الاهتمام بهم ورعاية مصالحهم، والدفاع عن حقوقهم، والحفاظ على أمنهم بما شرعه الله من ضوابط لحماية المجتمع، كتطبيق الشريعة، وإقامة الحدود واتخاذ التدابير اللازمة لتوفير الأمن والأمان في المجتمع المسلم.
4- أنّ الرجل وهو ربّ الأسرة وراعيها مسؤول عن أفراد أسرته ومن تحت ولايته، فعليه أن يحسن رعايتهم، وأن يهتم بشؤونهم وتربيتهم التربية الصالحة، وعليه النفقة عليهم والحرص على تعليمهم وتأديبهم وتوفير ما يحتاجون إليه من مسكن ومطعم ومشرب وملبس، وأن يعدل بينهم في المعاملة وأن يتقي الله في كلّ شأنهم فيكون عينا ساهرة تحرسهم من أيّ شيء قد يؤثر على دينهم أو دنياهم أو يفسد أخلاقهم.
5- إن للمرأة مسؤولية اجتماعية عظيمة تتمثل في رعاية الأسرة والحفاظ على بنائها وكيانها فهي مؤتمنة على تربية النشء وتوجيههم، والمحافظة على المال والممتلكات والعرض، وأن تؤدّي الحقوق الزوجية، وأن تكون عوناً له على أمر دينه ودنياه، وأن تحسن تدبير شؤون منزلها، ولذلك فإنّ مسؤوليتها عظيمة ومهمّتها جليلة فكان الواجب أن تتربّى على احترام هذه المسؤولية، وأن تعدّ لها إعداداً جيّداً.
6- أن الولد مسؤول عن أموال أبيه وأملاكه، ولذلك وجب عليه حفظها وتنميتها واستثمارها فيما أحلّ الله، وعدم صرف المال إلا فيما أمر الله به، وهذا درس نبوي يربّي الولد على حسن رعاية مال والده وعدم العبث به.
7- أن مسؤولية الرعاية قد تكون مسؤولية رعاية سياسية، ويمثلها الأمير الذي على النّاس، ومسؤولية رعاية اجتماعية، ويمثلها الرجل الذي يرعى أهل بيته، كما تمثّلها المرأة التي ترعي بيت زوجها وولده، كما قد تكون مسؤولية رعاية اقتصادية، ويمثلها العبد الذي يرعى مال سيده.([10])
8- أن السنّة النبوية وهي تنشئ الفرد على الأخلاق القويمة، وتغرس في نفسه الفضائل والصفات الحميدة، وتقوي فيه الوازع الديني، تحمّله المسؤولية تجاه ربّه تعالى، ونفسه وأهله وأقاربه، وجيرانه والنّاس أجمعين، وكلّ ما يشاركه الحياة في هذه الأرض من حيوان ونبات وجماد؛ لأن الله تعالى جعل الإنسان خليفته في الأرض، وحمله "أمانة" لم يحملها لغيره.([11])
أن ما ورد في الحديث من أمثلة لا يراد بها الحصر بطبيعة الحال، وإنّما هي إشارة إلى شمول مسؤولية الرعاية أنشطة المجتمع ومستوياته وأفراده، فإذا كانت مسؤولية الرعاية موزعة على كل عضو من الجماعة بحيث يكون كل من فيه راع ومسؤول عن رعيته، فإنّها شاملة لكل جوانب المجتمع بلا استثناء.

كنزي
07-20-2012, 04:51 PM
الحث على كفالة اليتيم والإحسان إليهلقد أمرنا الله جلّ وعلا في محكم كتابه بالإحسان والعطف على اليتامى في كل زمان ومكان بل إنه سبحانه قد أخذ العهد والميثاق على الأمم قبلنا أن يحسنوا إلى اليتامى قال تعالى (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا). (سورة البقرة، آية رقم (83).
ولقد جعل سبحانه قهر اليتيم وزجره بأي صورة من صور الإيذاء من صفات مَن يكذب بالدين، قال تعالى(أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يَدُعُّ اليتيم ولا يَحُضُّ على طعام المسكين) سورة الماعون.
وإطعام اليتامى من أعظم صفات أهل الجنة، قال تعالى( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً)سورة الإنسان، آية رقم(8).
وقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الإحسان إلى اليتامى بأفصح عبارة، وابلغ أسلوب، فقال صلى الله عليه وسلم(أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وأشار بالسبابة والوسطى، قال ابن بطال "حق على مَن سمع هذا أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة أفضل من ذلك في الآخرة".
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل)أخرجه البخاري.
أخي الكريم: إن كان لديك شوق أن تكون مع سيِّد الأولين والآخرين، وقائد الغُرِّ المُحَجَّلين، فأدخل السرور على قلب يتيم..جفف دمعه..امسح رأسه..أكس بدنه..تبسَّم إليه أطعمه.
وإن أردت أن يلين قلبك وتدرك حاجتك، فاكفل اليتيم، واعطف عليه، واجبر كسره فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه، فقال له صلى الله عليه وسلم:(أتحب أن يلين وتدرك حاجتك، ارحم اليتيم ، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك).وفي رواية (أدن اليتيم منك، وألطفه، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، وتدرك حاجتك) صحيح الجامع.
وإن تنشئة اليتيم التنشئة الصالحة من خلال المجتمع يغرس فيه حب المجتمع، والتفاني له، ويتعلم أفراده من بعضهم البعض كيف يتم التعامل مع اليتيم وكيف تكون رعايته وتوجيهه واحترامه وتقديره والأخذ بيده نحو الخير والفلاح.

كنزي
07-20-2012, 04:51 PM
العدل في التربية والتعليم (1)بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
أقام الإسلام المجتمع على دعائم قوية ثابتة، ومنها: العدل بين الناس على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم.
وقد تعددت مفاهيم العدل بتعدد صوره وأنواعه، ولكن ما يهم الباحث هو مفهوم العدل الاجتماعي الذي عرفه بعضهم بأنّه: "أن يصرف الإنسان أمور نفسه وأمور النّاس على قانون لا عوج فيه ولا زيغ ولا استثناء ولا ظلم ولا محاباة، وأن يسيّر أعماله على قانون إلهي لا تبديل فيه ولا تحويل".
ويقوم العدل الاجتماعي على أساس تعاون أفراد المجتمع، وعلى تكافؤ الفرص أمام الجميع، بغض النظر عما بينهم من فروق في الجنس، أو العرق، أو المستوى الاقتصادي، أو المستوى الاجتماعي...بحيث يتاح لكل عضو الفرص المناسبة تبعا لاستعداداته وقدراته، ثم عطائه بعد ذلك.
ومن أهم مجالات العدل الاجتماعي العدل في التربية والتعليم، والتربية الإسلامية تتميز باهتمامها المتفرد بالعلم والمتعلمين، ومن خلال اهتمامها بالعلم والتعليم أكدت على أهمية الوسائل المعينة على إيجاد بيئة تربوية مناسبة لتحصيل العلم، والمبادئ التي تنظم العمليات التربوية، ومن أهم تلك المبادئ مبدأ العدل، فالتربية الإسلامية تستمدّ جذورها من تعاليم الإسلام السمحة التي تدعو إلى نبذ النظم الطبقية التي تفرق بين البشر دون مسوغ شرعي، والتربية الإسلامية منذ بزوغ فجر الإسلام لم تعرف نظام الطبقات في التعليم، "ولقد ساوى الإسلام بين أبناء الأغنياء والفقراء في التعليم، ومنحهم جميعا الفرص في أن يتعلموا من غير تفرقة بينهم".
ولقد دعا الإسلام إلى تحقيق هذا المبدأ في التربية والتعليم؛ لما يترتب على تطبيقه من آثار تربوية إيجابية كثيرة، تعود بالنفع للفرد والمجتمع بأكمله، وتتنوع ملامح وصور هذا المبدأ في التربية الإسلامية، ومن أبرز هذه الملامح والصور ما يلي:
أولا - العدل بين المتعلمين في المعاملة:
ويقصد بالعدل في المعاملة: أن تعامل المؤسسة التربوية جميع المتعلمين معاملة قائمة على الحق والعدل لا على المكانة الاجتماعية أو الحالة المادية، بمعنى أن يعامل الأغنياء والفقراء وذوو النفوذ والمكانة معاملة أفراد المجتمع من حيث إتاحة الفرص للتعلم، وتوزيع النظر والاهتمام بهم، والشفقة عليهم والجلوس في مكان بارز ليروا المعلم جميعا، وأن يكون التفاضل بينهم قائما على أساس مستوى المتعلم وما يحققه من تقدم في تحصيله دون النظر لأي اعتبارات أخرى.
فالتربية الإسلامية تنظر إلى البشر كلهم على اختلاف شعوبهم وألوانهم وأجناسهم ولغاتهم، وعلى اختلاف منازلهم الاجتماعية، والأعمال التي يقومون بها، والمال الذي يملكونه، على أنّهم كلهم عباد لله، أصلهم واحد، وخالقهم واحد، فلا تفاوت بينهم في الكرامة الإنسانية، وفيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.
وبناء على هذه النظرة سوَّت التربية الإسلامية في الحقوق بين الناس جميعا، بين الرجال والنساء، والأغنياء والفقراء، وأصحاب المراتب وعامة الناس، فكلهم أمام الحق والحقوق والكرامة الإنسانية سواء، أما التفاضل بينهم عند الله فهو بالتقوى والعمل الصالح: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وأما تفاضلهم في الحياة الاجتماعية فيكون بقدر تفاوتهم في العمل والجهد والخبرة والمواهب والعلم والإنتاج النافع، وغير ذلك مما يتفاوت فيه الناس، ويكون سببا في التفاضل وتقدير الجهد المبذول لمنفعة الناس.
عن رفاعة بن رافع t؛ أن النبي r قال لعمر رضي الله عنه: ((اجمع لي قومك))، فجمعهم، فلما حضروا باب النبي r دخل عليه عمر فقال: قد جمعتُ لك قومي، فسمع ذلك الأنصار، فقالوا: قد نزل في قريش الوحي، فجاء المستمع والناظر ما يقال لهم، فخرج النبي r، فقام بين أظهرهم. فقال: ((هل فيكم من غيركم؟)) قالوا: نعم؛ فينا حليفنا وابن اختنا وموالينا. قال النبي r: (((حليفنا منا، وابن اختنا منا، وموالينا منا، وأنتم تسمعون: إن أوليائي منكم المتقون؛ فإن كنتم أولئك فذاك، وإلا فانظروا، لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة، وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم))...الحديث.
وعن ابن عباس قال: ((لا أرى أحدا يعمل بهذه الآية: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} حتى بلغ: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فيقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك! فليس أحدٌ أكرمَ من أحد إلا بتقوى الله)).
وعن يزيد بن الأصم t قال: قال ابن عباس: ((ما تعدُّون الكَرَم؟ وقد بَيَّن الله الكَرَم، فأكرمُكم عند الله أتقاكم، ما تعدون الحَسَب؟ أفضلكم حَسَباً أحسنكم خُلُقا)).
وبناء على هذه النصوص وغيرها التي تدعو إلى المساواة الإنسانية وعدم التفاضل بين البشر إلا بالتقوى، نادى عدد من المربين المسلمين بإنصاف المتعلمين والعدل بينهم في المعاملة كحق من حقوقهم في التعلم، فهذا الآجري يقول: "ويعتقد الإنصاف إن كان يريد الله بتلقينه القرآن، فلا ينبغي أن يقرب الغني ويبعد الفقير، ولا ينبغي له أن يرفق بالغني، ويخرق بالفقير، فإن فعل هذا فقد جار في فعله فحكمه أن يعدل بينهما".
كما نادى ابن جماعة بهذا المبدأ مطالبا المعلم "ألا يظهر للطلبة تفضيلَ بعضهم على بعض عنده في مودّة أو اعتناء، مع تساويهم في الصفات من سن أو فضيلة أو تحصيل أو ديانة، فإنّ ذلك ربما يوحش منه الصدر وينفر منه القلب". وهذا إشارة منه إلى الآثار التربوية والنفسية السلبية المترتبة على عدم المساواة بين المتعلمين، وتفضيل بعضهم على بعض دون مبرر مقبول.

كنزي
07-20-2012, 04:52 PM
العدل في التربية والتعليم (2)ثانيا - العدل في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص:
ومن مجالات العدل في التربية والتعليم تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، وهو"يعني: حق كل فرد في النمو في مجالاته المتعددة الأوجه، وحسب ما تسمح به قدراته وإمكاناته واستعداداته، مع توفير مستقبل آمن له". ويعني في مجال التربية والتعليم: "توفر جميع الأطفال المتعلمين والتلاميذ على نفس الإمكانيات والمؤهلات المادية والاجتماعية والثقافية وغيرها بدون تفاوت بينهم، ولا تمييز لا في اللون، ولا في الجنس، ولا في الدين".
وأشار بعض الباحثين إلى أن مصطلح تكافؤ الفرص يعني: أن "يتاح لكل فرد فرصة التعليم على أساس متكافئ، دون قيد أو تمييز بسبب الوضع الاجتماعي أو الغنى والفقر أو الدين أو العرق والسلالة، وهذا يعني أن يكون التعليم متاحا للجميع".
وفي منهج التربية الإسلامية نجد أن تكافؤ الفرص ركيزة من ركائز الفكر التربوي الإسلامي، وهو نتيجة حتمية لمبدأ العدل والمساواة في الإسلام وثمرة من ثمراته، فالمسلمون متساوون في الحقوق والواجبات، لا فرق بين عربي وعجمي، ولا بين أبيض ولا أسود، بل كل بمقدار عمله، وما يميز المسلم عن غيره هو ما يتحلى به من تقوى الله جل وجلاله، وما يبذله من جهد، وما ينتجه من أعمال.
فتهيئة الفرص التعليمية في الإسلام تتناول كل الطبقات والأفراد حتى ذوي العاهات، فالكل له الحق في التعلم على الدولة وعلى المجتمع.
ومن حق كل طفل في المجتمع المسلم الراشد العادل أن يجد العلم والصحة ويجد بعد ذلك الفرصة للعمل، بحسب طاقته وموهبته وإمكاناته، ولا ضير بعد ذلك إن حصل التفاوت؛ لأنه تفاوت طبيعي لا بد منه؛ لأن الله تعالى لم يخلق الناس نسخا مكررة. وهذا يعني أن تكافؤ الفرص في منهج التربية الإسلامية لا يعني التساوي في كل الأمور؛ فالإسلام يقر التفاوت والاختلاف في المواهب والاستعدادات، فلا بد من التنوع والاختلاف الذي يسمح بالتكامل والتعاون.
عن أبى هريرة قال : سئل رسول الله r أيّ النّاس أكرم؟ قال: ((أكرمُهم عند الله أتقاهم)). قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: ((فأكرم الناس يوسف نبيّ الله بن نبيّ الله ابنُ خليلِ الله)). قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: ((فعَنْ معادن العَرَب تسألوني؟)). قالوا: نعم. قال: ((فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقِهوا)).
وكان مبدأ تكافؤ الفرص أمراً مقرّراً في المجتمع الإسلامي، وقد اتسعت دائرته "في حياة الأمة الإسلامية، فشملت كل مواطن يعيش في الدولة الإسلامية، ومن هنا تضافر على إنشاء الحضارة الإسلامية كنوز الفكر الإنساني من جميع الأجناس والألوان واللغات وانصبت في حياضها ثمرات قرائحه على مدى العصور والأزمان، فكانت حضارة إنسانية عامة، لا تختصّ بجنس دون جنس، ولا بلغة دون لغة، ولولا هذه النظرة الإنسانية الشاملة للمواهب البشرية لما وصلت الحضارة الإسلامية إلى الشأو الرفيع الذي وصلت إليه".
العوامل التربوية الميسرة لتحقيق العدل في التربية والتعليم:
من العوامل التربوية الميسرة لتحقيق العدل ما يلي:
1. الإيمان بالله تعالى وتقواه، ومراقبته في السر والعلن في كل قول أو عمل، وهذا ما يدفع المرء إلى مقابلة السيئة بالحسنة، والعدل مع القريب والبعيد، والصديق والعدو في حالتي الرضا والغضب.
2. تحكيم شرع الله في كل صغيرة وكبيرة من أمور الحياة.
3. ترغيب النفس بما أعدّ الله لعباده العادلين من خير عظيم في الدنيا والآخرة.
4. التأمّل في عواقب الظلم وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع، واستشعار أحوال الظلمة يوم القيامة، وندمهم على ظلمهم الخلائق.
5. مجاهدة النفس لتطهيرها وتزكيتها من الرذائل والتخلص من الحسد الذي يعدّ من أعظم أسباب الظلم والعدوان.
6. التحلي بالأخلاق الفاضلة التي تعين على معاملة الناس بالعدل.
7. الابتعاد عن العصبية والهوى وعدم التحيز.
ويجب أن يعلم أنّ في توطيد العدل ومحاربة الظلم والحيلولة دون وقوعه إقراراً للأمن وتحقيقاً للمساواة بين أفراد المجتمع، الأمر الذي يُمَكِّن كُلَّ فردٍ من الوصول إلى حقه دون مشقة وعناء، وإذا فقد العدل أكل الناس بعضهم حق بعض، وسادت الفتن، وكثرت الجرائم والمنكرات، وأصبح كل فرد من أفراد المجتمع عرضة لاعتداء الأشرار، وضعاف النفوس، فتفقد الحياة بهجتها وجمالها.

كنزي
07-20-2012, 04:53 PM
آداب المشاورة في السنة النبويةمن الأمور المهمة التي لا غنى للناس عنها في حياتهم الاجتماعية التشاور بينهم فيما يمس حياتهم الخاصة والعامة، فالإنسان - مهما كان مركزه الاجتماعي - بحاجة إلى المشاورة، فالحاكم الذي يدير شؤون الدولة بحاجة إليها، وكذلك مدير المدرسة، وربّ الأسرة ونحوهم من الأفراد والجماعات.
والشورى مما جبل الله عليه الإنسان في فطرته السليمة، أي فطره على محبة الصلاح وتطلب النجاح في المساعي؛ ولذلك قرن الله تعالى خلق أصل البشر بالتشاور في شأنه إذ قال للملائكة {إني جاعل في الأرض خليفة}، إذ إن الله غني عن معونة المخلوقات في الرأي، ولكنه عرض على الملائكة مراده؛ ليكون التشاور سنة في البشر وضرورة، وأنه مقترن بتكوينه، فإن مقارنة الشيء للشيء في أصل التكوين يوجب إلفه وتعارفه.
ولما كانت الشورى معنى من المعاني لا ذات لها جعل الله إلفها للبشر بطريقة المقارنة في وقت التكوين.
ولم تزل الشورى في أطوار التاريخ رائجة بين البشر فقد استشار فرعون في شأن موسى عليه السلام فيما حكى الله عنه بقوله: {فماذا تأمرون}. واستشارت بلقيس في شأن سليمان عليه السلام فيما حكى الله عنها بقوله: {قالت يا أيها الملؤا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون}، وإنما يلهي الناسَ عنها حبُّ الاستبداد وكراهية سماع ما يخالف الهوى، وذلك من انحراف الطبائع وليس من أصل الفطرة، ولذلك يهرع المستبد إلى الشورى عند المضائق.
وللمشاورة فوائد عدّة منها: أن المشاوِر إذا لم ينجح أمره علم أن امتناع النجاح محض قدر فلم يلم نفسه. ومنها أنه قد يعزم على أمر فيتبين له الصواب في قول غيره، فيعلم عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح. قال علي بن أبي طالب y (الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه). والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. وقال بعض الحكماء: ما استنبط الصواب بمثل المشاورة؛ ولا حصنت النعم بمثل المواساة’ ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر.
ومن الأدلة الدالة على أهمية المشاورة ما رواه المصنف عن عمرو بن دينار قال: قرأ ابن عباس: (وشاورهم في بعض الأمر) فقوله تعالى لنبيه r (وشاورهم في الأمر) تُغني عن كلّ شيء، فإنه إذا أمرَ اللّه سبحانه وتعالى في كتابه نصّاً جليّاً نبيّه r بالمشاورة مع أنه أكمل الخلق فما الظن بغيره؟ وعن الحسن y قال: (والله! ما استشار قومٌ قطّ إلاّ هُدُوا لأفضل ما بحضرَتهم، ثم تلا: (وأمرهم شورى بينهم).
ويتأكّدُ الأمرُ بالمشاورة في حقّ ولاة الأمور العامة كالسلطان والقاضي ونحوهما والآثار الصحيحة في مشاورة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أصحابَه ورجوعِه إلى أقوالهم كثيرة مشهورة.
قال ابن خوير منداد:(واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدنيا، ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والعمال والوزراء فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها).
ومن آداب المشاورة في السنة النبوية ما يلي:
1 ــ التحري والدقة في اختيار المستشار:
على طالب المشورة أن يبذل ما بوسعه لاختيار المستشار المناسب الذي يثق بدينه وخبرته وحذقه في المجال الذي يريد أن يشاوره فيه، قال النووي:(واعلم أنه يُستحبّ لمن همّ بأمر أن يُشاور فيه مَن يَثقُ بدينه، وخبرته، وحذقه، ونصيحته، ووَرَعه، وشفقته).
ويُستحبّ أن يُشاور جماعة بالصفة المذكورة، ويستكثر منهم، ويعرّفهم مقصودَه من ذلك الأمر، ويُبيِّن لهم ما فيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك.
ويجب التحري والدقة في اختيار المستشار؛ لأنّه مؤتمن (أي أمين على ما استشير فيه)، فمن أفضى إلى أخيه بسره، وأمَّنَه على نفسه، فقد جعله بمحلها، فيجب عليه أن لا يشير عليه إلا بما يراه صوابا، فإنه كالأمانة للرجل الذي لا يأمن على إيداع ماله إلا ثقة، والسر قد يكون في إذاعته تلف النفس أولى بأن لا يجعل إلا عند موثوق به.
عن أبي هريرة قال: قال النَّبيُّ r لأبي الهيثم: (هل لك خادِمٌ؟). قال: لا. قال: (فإذا أتانا سَبْيٌ، فَأْتِنا). فأُتِيَ النَّبيُّ برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم. قال النَّبِيُّ r (اخْتَر مِنْهما). قال: يا رسول الله! اخْتَرْ لي. فقال النَّبيُّ r (إنَّ المستشارَ مُؤتَمَن، خُذ هذا؛ فإنِّي رأيتُه يُصلِّي، واستَوْص به خيراً). فقالتِ امرأتُه: ما أنتَ ببالغ ما قال فيه النَّبيُّ r إلا أن تُعْتِقَه. قال: فهُو عتيق. فقال النَّبيُّ r (إنّ لله لم يبعث نَبِيّاً ولا خليفة، إلا وله بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف وتَنْهاه عن المُنْكر، وبطانةٌ لا تَألُوه خَبَالاً، ومَنْ يوقَ بطانة السُّوء فقَدْ وُقِيَ).
وقولهr (إنّ المستشار مؤتمن) معناه: أن المستشار أمين فيما يسأل من الأمور، فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته وذكر بعض العلماء أنه يحتاج الناصح والمشير إلى علوم كثيرة؛ فإنه يحتاج أولا إلى علم الشريعة، وهو العلم العام المتضمن لأحوال الناس، وعلم الزمان، وعلم المكان، وعلم الترجيح، إذا تقابلت هذه الأمور فيكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان وهكذا فينظر في الترجيح فيفعل بحسب الأرجح عنده، مثاله: أن يضيق الزمن عن فعل أمرين اقتضاهما الحال فيشير بأهمهما، وإذا عرف من حال إنسان بالمخالفة، وأنه إذا أرشده لشيء فعل ضده، يشير عليه بما لا ينبغي ليفعل ما ينبغي، وهذا يسمى علم السياسة، فإنه يسوس بذلك النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها، فلذلك قالوا يحتاج المشير والناصح إلى علم وعقل وفكر صحيح ورؤية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة وتأن، فإن لم تجمع هذه الخصال فخطأه أسرع من إصابته فلا يشير ولا ينصح، قالوا : وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة.
2 ــ قبول المشورة:
ومن آداب المشاورة؛ إذا بذل المستشير الوسع في اختيار المستشار المناسب عليه أن يتقبل منه المشورة؛ لأن فائدة المشاورة القَبول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة، ولم تظهر المفسدة فيما أشار به، وعلى المستشار بذل الوسع في النصيحة وإعمال الفكر في ذلك وإذا لم يؤدّ المستشار الأمانة الملقاة على عاتقه من إعمال الفكر وإسداء النصح للمستشير، فقد خانه، وارتكب إثما، فعن أبي هريرة قال: قال النَّبيُّ r (مَنْ تقوّل عليَّ ما لم أقل، فليتبوأ مقعَدَه مِنَ النَّار. ومَن استشارَه أخوه المسلمُ، فأشارَ عليه بغير رُشد فقد خانه. ومَن أُفتي فُتيا بغير ثَبْت، فإثمه على مَنْ أفتاه).
3 ــ تقديم المشورة من غير طلب:
إذا رأى المسلم أن أخاه بحاجة إلى منَ يشيره برأي سديد في أمر فيه مصلحته، فعليه أن يبادر بتقديم المشورة وإن لم تبدر من أخيه الاستشارة؛ لما رواه المصنِّف، عن وهب بن كَيسان أن عبد الله بن عمر رأى راعياً وغَنَماً في مكانٍ قبيح، ورأى مكاناً أمثل منه فقال له: ويحك! يا راعي! حَوِّلْها، فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله r يقول: (كُلُّ رَاعٍ مسؤولٌ عن رعيَّتِه).
هذه طائفة من آداب المشاورة في السنة النبوية، فعلى الآباء والتربويين، تنمية روح التشاور والمناصحة في نفوس الأولاد والمتربِّين، وأن يربّوهم على كره نزعة الاستبداد والقهر والاستئثار بالرأي.

كنزي
07-20-2012, 05:21 PM
حقوق الأولاد (2)ومن الـحقوق التـي أوجــبها الإســلام على الآباء تجـاه أبنائهم : اختيار المرأة الصالحة، وانتقاء الاسم اـلحسن وتعليم القرآن .
فقد جاء رجلٌ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه . فأحضر عمر الولدَ، وأنَّبه على صنيعه وتفـريطه في حقّ أبيه . فقال الولد: يا أمير الـمؤمنين ! أليس للولد حقوقٌ على أبيه ؟ قال : بلى. قال : فما هي يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر رضي الله عنه : أن ينتقـي أُمَّه ، ويـُحسنَ اسمه ، ويُعلّمـه الـكتاب . فقال الولد : يا أميـر اـلمؤمـنين ! إنّ أبـي لم يفعـل شيئـاً من ذلك . أمَّـا أُمِّي : فإنَّـها زنجيّة كانت لـمجوسيّ، وقد سمَّـاني جُعـلاً "أي خنفساء" ، ولم يُعلّمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفتَ عمر رضي الله عنه إلى الرجل وقال له : جئتَ إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققتَه قبل أن يعقَّك ، وأسأتَ إليه قبل أن يُسيءَ إليك .
وـيُروى أنَّ والـداً غضـب على ولده يومــاً ، فعيَّره بأمِّـه قائلاً : أتُخـالفني وأنت ابنُ أمةٍ ؟! فقال الولد لأبيه : يــا أبت ! إنَّ أمـي والله خيرٌ مـنك . قـال الأب : لم ؟ قال : لأنّـها أحسنت الاختيـار، فولدتنـي من حـرٍّ، وأنت أسـأتَ الاختيار، فولدتني من أمة .
و"رَحِمَ اللهُ والـداً أعـان ولدَه على برِّه" .
فعلى الآباء أن يُحسـنوا اختيار أُمَّهـات أولادهم ، امتـثالاً لأمـر نبيِّـهم ف : "تخيَّروا لنِـطَفِكُم ، وانْكِـحُوا الأكْـفاءَ، وأنْكِحُوا إليهم" .
وتخـيَّروا لـنطفكم: أي لا تـضـعوا نـطفكم إلا فـي أصـل طاهر ؛ أي تكلَّـفوا طلـب ما هو خـير المـناكح وأزكـاها وأبعدها عن الخبث والفجور.
والكفـاءة تكون في الـجاه، والـمال، والـدين، والصـلاح. وأفـضل ذلك الخُـلُق والـدين؛ إذ التعـلُّق بالمـرأة لمـجرّد جمالها خدعة ، والجري وراء جاهها دون دينٍ أو شرفٍ أو خُلُـقٍ كارثة. وهذا ما حذَر منه رسـول الله صـلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تنكح المرأة لجمالها ، فلعلّ جمالها يُرديها ، ولا لمالها ، فلعلّ مالها يُطغيها، وانكح المرأةَ لدينها" .
والرجـل عنأدما يخـتار زوجـه، فهو يختـار أمًّا لأولاده، ومـحضناً لـذرِّيَّتِه، وحـجـراً لفلـذات أكـباده، فإن أحـسـن الاختيار،أحسن إلى ذريته. وأحسن ما يُخـتار ذات الدين الـتي أوصى رسولنا صلـى الله علـيه وسـلم باخـتيارهـا، فقال:"تُنكَـح المرأة لأربـع:لـمالها، ولـحسبها، وجـمالها، ولدينها، فاظفَر بذات الدين تَرِبَتْ يداك" .
واختيار ذات الدين حقٌّ من حقوق الأولاد، وسبــبٌ لعدم مسبَّتهم وتعييرهم بأمّهاتهم، يقول أبو الأسود الدؤليّ ممتنًّا على بنيه: "قد أحسنت إليكم صــغاراً وكباراً ، وقبل أن تولدوا . قالوا : وكيف أحسنتَ إلينا قبل أن نولَد ؟ قال : اخترتُ لكم من الأمَّهات من لا تُسبُّون بها" .
ويجــب علـى الآبـاء –كذلك- اختيـار الاسمـاء الحـسنة لأولادهم ، وتـجنُّب الأسمـاء القـبيحة التي تمـسّ كرامـة الولد ، وتكون مدعاة للاسـتهزاء به ، والسـخرية علـيه . وقــد أمرنا رسـولنا الكـريم صلى الله عليه وسلم بـذلك ، فقال : "إنَّكم تُدْعَون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم ، فأحسِنوا أسماءكم" .
واختيـار الأسماء الســـيئــة (( واحــــدةٌ من إفرازات التمـوّجـــات الفـكريَّة الـتي ذهــبت ببعـض الآبـاء كـلَّ مذهب، كلٌّ بـقدر ما أثـر به من ثقـافة وافـدة . وكان من أسـوئها ما نفـث به بعض المستغربين من عِشْـقٍ كَلِـفٍ ، وظمـأ شــديد لأسماء الكافرين ، والتـقاط كلّ اسـم رخوٍ متخــاذل ، وعزوفٍ ســــادرٍ عن زيــنة الــمواليـد ؛ الأســماء الشــرعيَّة )) .
والمولود "قد يحمله اسمه على فعل ما يُناسبه ، وترك ما يُضـادّه ، ولهـذا تــرى أكـثر السَّـفَل أسـمـاؤهم تُناسبـهم ، وأكثر العليَّة أسماؤهم تُناسبهم" ؛
(( فقــلَّ أن ترى اســـماً قبيحــاً إلا وهو على مســـمَّى قبيحٍ ، كما قيل :
وقلّ أن أبصرت عيناك ذا لقبٍ إلاَّ ومعناه لو فكَّرتَ في لقبه )).
وعلى الآبـاء أن يأمـروا أولادهـم بطـاعة الله عز وجـل ، امتثالاً لأمره جلّ وعلا( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) [طـه: الآية 132]، وامتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عـليه وسـلم : "مُـرُوا أولادكم بالصـلاة وهـم أبنـاء سـبع سنـين، واضربوهم علـيها وهم أبناء عشر سنـين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع".
وعليهم أن يُحذِّروهــم من المعـــاصـــي، كــمـا أمـرهــم ربّـُهـم عز وجل في قوله صلى الله عليه وسلم : ( يـــا أيها الـذين آمـنوا قوا أنفـسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ) [التحريم : آية6] .
وليقــوموا بتنشئتـهم على الآداب الإسلامـيَّة منذ نعـومـة أظـفارهم ، كما كان يفـعل قدوتهم صلى الله عليه وسلم؛ الذي أمر الغلامَ حـين كـانت يده تطـيشُ في الصـحفة أن يُسمِّي اللهَ ، ويأكل بيمينه ، وياكل ممَّا يليه .
وينبغي أن يُعَلَّموا آداب الاســتئذان منــذ الصغر ؛ كما قــال عــز وجـــل : ( وإذا بـلـغ الأطـفال مـنكم الـحـلم فليستئذنوا كما استأذن الذين من قبلـهم كذلك يبـين الله لكم آياته والله عليم حكيم ) [النور: الآية59] .
والتعليم في الصغر يجعل الولد يفتح عينيه منذ نشأته على أوامر الله، فيُروَّض على امتثالها ، وعلى اجتناب نواهيه ، فيُـدرَّب على الابتعاد عنـها . وبذلك نكـــون قــد ربطـــنـــاه منذ حداثـتـــه بأحكـــام الشـريعة الإسـلامـيَّة ، فيـحيا وهـو لا يـعرف سـوى الإسلام تشريعاً ومنـهاجـاً .
وكـمـا أوصى الإسلام في جانب الوالدين بالأمّ لضعفها ، ولمـزيد شـفـقتها ، أوصـى في جــانـب الأولاد بالبــنات لضـعفـهـنّ ، وقـلّة حيــلتهنّ ، مقارنةً بالأبنـاء، وللنـظرة الجاهليّة التي ينظر بها بعض الآباء إلى الــبنات . وهـذه النـظرة خللٌ في العـقيدة قبـل أن تكـون خللاً في التربية، والله تـعالى ذمَّ أهل الجـاهليَّة بـسبـب تسـخّطهم بالـبنات ، فقال : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) [النحل:58-59] .
فعلى المسلم أن لا يتسخَّط بالبنات، ولا يحزن لمقدمهنَّ، كــي يسـلـم من التـشبُّه بأخـلاق الجـاهليَّة، ويــنجو مــن الاعتراض على قدر الله، أو ردّ هبته
وقــد وعد رسـولنا الكـريم صـلى الله عـليه وسـلم الـذين يُحسنون تربية البنات ، ويُحسنون إليهنّ ، بالأجر العظيم ، والــوقاية من عـذاب الله يوم القيـامة ، ودخول الجنَّة .
يقول رسولنا صـلى الله عليه وسلم : "من ابتُلِيَ من هذه البنات بشيءٍ فأحسنَ إليهنَّ كنَّ سِتراً له من النَّار" .
فالأبوان –إذاً- همـا الــمسؤولان أولاً وآخِراً عن إعـداد الولد على الإيمان والخُلُق الحسن ، وتكوينه على النضج العقليّ والاتزان النفسيّ ، وتوجـــيهه إلى التزوّد بالعلوم النافعة والثقافات المفيدة المتنوّعة ؛ إذ "الرجــل راعٍ في بيت أهله ومسؤولٌ عن رعيته ، والـمرأة راعيةٌ في بـيت زوجها ومسـؤولةٌ عن رعيتها" .
(( فما على الأبوين إلا أن يستشعرا مسؤوليتهما الكاملة، وأن يستفيدا من أوقات فراغهما للنهوض بهذه الواجبات ، والنهوض بهاتيك المـسؤولــيَّات . وعلـيهما أن يعــلـما أنّ أيّ تقصــيرٍ في مسـؤوليّة من هذه المـسؤوليّات التـي سـبق الحــديث عنها في هـذا البـحث سـوف يُعرّضـهـما للمسؤوليّة أمام الله تعالى عند الوقوف بين يديه ، في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ )) .
فهذه بعض حقوق الأولاد التي أوجبها الله على والديهم ، فإن قدَّمها الآباء لأبنائهم كانوا لهم قرَّة عـين، وزينة دنيا . وإن أهملوها وضيَّعوها، كانوا وبالاً عليهم، ونقمة على مجتمعهم .

كنزي
07-20-2012, 05:23 PM
مظاهر عناية الإسلام بالهدوء والسكينةنهى الإسلام عن كل ما من شأنه إحداث الضجيج والضوضاء والصخب ، وأمر بعدم رفع الأصوات عن القدر المعتاد لما يترتب على ذلك من إيذاء للآخرين ، وإخلال براحتهم ، وتلويث مباشر أو غير مباشر لصفو حياتهم ، وقد جاء الأمر بذلك في قوله تعالى : ( واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) .
كما صح عن أبي موسى الأشعري أنه قال : " كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في سفر ، فكنا إذا علونا كَـبَّـرْنا ، فقال : ( اربِعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً ، تدعون سميعاً بصيراً قريباً ) " .
والمعنى أن منهج الدين الإسلامي ممثلا في الهدي النبوي المبارك ينهى الإنسان المسلم عن رفع الصوت وإحداث الجلبة والضجيج حتى عند الدعاء والذكر ، فكيف بباقي الأحوال الأخرى في حياة الإنسان اليومية ، وما ذلك إلا لأهمية المحافظة على الهدوء والسكينة في حياة المجتمع المسلم وبيئته التي يعيش فيها ، وبذلك يتمكن الجميع من أداء أعمالهم والقيام بواجباتهم ، والاستمتاع بأوقات راحتهم ، وعدم الإنزعاج أو القلق من الأصوات العالية والضوضاء التي أشارت بعض الأبحاث العلمية إلى أنها تصيب الإنسان بالعديد من الأمراض التي قد تنتهي بالجنون أو الوفاة . فمن الممكن أن يفقد الإنسان قدرته على التركيز الذهني ، وبذلك يقل إنتاجه الفكري ، وتكثر الأخطاء.
كذلك يؤدي الضجيج إلى إصابة الإنسان بالاكتئاب أو بأورام سرطانية قاتلة ، هذا بالإضافة إلى إصابة الإنسان بأمراض الأذن ، وتهيج الأعصاب وربما تلفها .
الدكتور : صالح بن علي ابو عراد ( السعودية )

كنزي
07-20-2012, 05:27 PM
حــقــوق الــزوجـيــن ( 1 )

الزواجُ عواطفُ إنسانيَّةٌ ، وأخلاقيَّةٌ ، وروحيَّةٌ .

ومن فوائده : ( أنَّه عمادُ الأسرة الثابتة ، التي تلتقي الحقوقُ والواجباتُ فيها بتقديسٍ دينيّ ، يشعرُ الشخصُ فيه بأنَّ الزواجَ رابطةٌ مقدَّسةٌ تعلو بها الإنسانيَّةُ ).

فهو علاقةُ مودَّة ورحمةٍ ، كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) [الروم: الآية21] . ففي الآية بيان على أنّ هناك حكمة ربانيَّة كمنت في نفس الإنسان ، وهي الرحمة والمودة المتبادلة بين الزوجين ، تدفع كلَّ واحدٍ إلى الميل إلى قرينه بدون اختيار منه ) .

والإسلامُ قد اعتنى بتنظيمِ هذه العلاقة ، فجعل لكلٍّ واحدٍ منهما حقوقًا على الآخر ، واعتبر أنَّ الأخذ بها كفيلٌ بسعادة الطرفين وهنائهما. وهي حقوقٌ متبادلةٌ بينهما ؛ فكما أوجبَ الإسلامُ للزوج حقوقًا ، كذلك أوجب للزوجة حقوقًا ، كما قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) [البقرة : 228 ] .

وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال : حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه وذكَّر ووعظ ، فذكر في الحديث قصةً ، فقال صلى الله عليه وسلم : "ألا واستوصوا بالنساء خيرًا ، فإنَّما هُنَّ عَوَانٌ عندكم ، ليس تملكون منهنَّ شيئًا غيرَ ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ . فإن فعلن فاهجُرُوهُنَّ في المضاجع ، واضرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ . فإنْ أَطَعْنَكُم فلا تَبْغُوا عليهِنَّ سبيلا . ألا إنَّ لكم على نسائكم حَقًّا ، ولنسائكم عليكم حقًّا . فأما حقكم على نسائكم فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ، ولا يَأْذَنَّ في بُيُوتِكم لمن تَكْرَهُون . ألا وحَقُّهُنَّ عليكم أن تُحْسِنُوا إليهِنَّ في كِسْوَتِهِنَّ وطَعَامِهِنَّ" .

فلكلّ من الزوجين حقوقًا على الآخر .

ومعرفةُ هذه الحقوق سبيلٌ لإيصالها إلى أهلها .

المبحث الأول : حقـــوق الزوجــــــــــــة على زوجهـا :

الإسلامُ -دينُ العدل والانصاف- ، كما أوجب للزوج حقوقًا على زوجته ، أوجب عليه –كذلك- حقوقًا لها ؛ فكلُّ حقٍّ بين الزوجين يُقابله واجبٌ . ويؤكِّد هذا المعنى قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [البقرة : 228 ] .

والمرأةُ ليست خادمة ، أو ضيفة في بيت زوجها . ولا هي للمتعة الجسديَّة فحسب، بل هي راحة للنفس، وعصمة للدين، وأمّ للأولاد ، وأمينة على الأسرار ، وحارسة للمال ، وشريكة في الحياة ، وحريصة على تحقيق الآمال .

وتاريخُ أمّتنا مليءٌ بقصص الزوجات اللواتي كُنّ بلسماً شافياً لآلام أزواجهنّ ، ينتظرونهم حين عودتهم من أعمالهم مرهقين ، ودخولهم إلى بيوتهم متعبين ؛ فيُحسِنَّ استقبالهم ، ويفتحن لهم قلوبهنّ ، ويُعِدْنَ إليهم الثقةَ والراحةَ ، ويُشعرونهم بمعنى قوله تعالى : ( ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون ) [الروم:21] .


المطلب الأول : من حقوق الزوجة ( المعاشرة بالمعروف )

وإذا كان هذا هو وضع المرأة –وهو بلا شكّ نعمة تستوجب شكراً-، فعلى الرجل قياماً بشكر النعمة أن يكون حَسَنَ الخُلُق معها، يحتمل أذاها ، ويصبر عليها . وعليه كذلك أن يُعاملها بالرحمة في كلّ الأحـــوال ، حتى ولو كــان لا يُحبّها ، امتثـالاً لإرشــاد مولانا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) . [النساء: من الآية : 19 ]

وهذه طبيعةُ صاحب الدين ؛ لا عدوان ولا ظلم ، بل يُعطي كلّ ذي حقّ حقَّه، ولا يدعوه عدم الحبّ إلى الظلم والعدوان ، بل يتذكَّر أنَّ امرأته قد جُبِلَتْ على ما جُبِلَتْ عليه سائر النساء من الاعوجاج ، ولا يُمكن تعديلها مهما حاول ذلك ، فلا بُدَّ من مداراتها ، والصبر على اعوجاجها ،كي يفوزَ بحُسن معاشرتها ، امتثالاً لإرشاد رسولنا صلى الله عليه وسلم في قوله :".. واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهنّ خُلِقْن من ضِلْعٍ أعوج، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضلع أعلاه ، فإن ذَهَبْتَ تُقيمَه كَسَرتَه ، وإن تركتَه لم يَزَلْ أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً ". - وفي رواية - "فدارِها، تَعِشْ بها-ثلاث مرّات-" .

فرسولنا صلى الله عليه وسلم بهذا التصوير: " خُلِقْن من ضِلْعٍ أعوج، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمه كَسَرتَه، وإن تركتَه لم يَزَلْ أعوج"، يختصر على الرجل الطريق لفَهْمِ المرأة؛ فالمرأةُ "إن تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بها على عِوَجٍ" ؛ كشجرة الورد جميلةٌ بشوكها، والذي يطلب شجرةَ ورد بلا شوكٍ جاهلٌ عابثٌ، والذي يزعم أنّ شوكَ شجرةِ الوردِ يجعلها قبيحةً لا تصلح للاستمتاع بها مختلّ المزاج ، منحرف الطبع .

لذا وَجَبَ على الزوج المسلم أن يتفهَّم طبيعة المرأة ، وأن يتغاضى عن بعض سلبيّاتها ، لتسير الحياة في هناء ، وتمشي في صفاء ، ويعيش في راحة واستقرار . وعليه أن يصبر ويعفو ويصفح ، وليكن قول رسوله ف نَصْبَ عينيه دائمًا : "لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً. إن كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ" -أو قال:- "غَيْرَهُ".

فهناك فضائل ومحاسن تطغى –عند التأمُّل- على كثيرٍ من عيوبها . والزوجُ إن حاول الوقوف عند كلِّ خطأ من أخطاء زوجته -نتيجة انفعالها البالغ- مؤاخذًا ومعاتبًا ، فإنّ ذلك لن يُسفرَ سوى عن مزيدٍ من التباعد والشقاق ، وبعده الفراق والطلاق .

يقول الدكتور محمّد بن لطفي الصبّاغ : (( من الأمور المهمَّة التي ينبغي أن تعرفها –عزيزي الزوج- أنَّه لا بُدّ من التغاضي عن أمورٍ كثيرةٍ . إنَّك لن تستطيع أن تجدَ في زوجتك كلّ ما تريد ، كما أنَّها لن تجدّ فيك كلّ ما كانت تريده . فلا تتعقَّب المسائلَ صغيرها وكبيرها ، ولا تعاتب في كلّ الأمور .... إنّ الإنسان لا يستطيع أن يتخلّص من كثيرٍ من العيوب التي فيه ، فكيف نُريد من الآخرين أن يكونوا كما نريد ، ونحن عاجزون أن نكون كما نريد ؟ )) .

إدخال السرور على قلب الزوجة من المعاشرة بالمعروف :

أمَرَ رسولُنا صلى الله عليه وسلم بمقابلة النَّاس وملاقاتهم بالابتسامة الطيبة والكلمة الحسنة ، فقال : " لا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا ، ولو أن تلقَ أخاك بوجهٍ طلقٍ" ، وقال : "... والكلمة الطيبة صدقة" .

وإذا كان –عليه الصلاة والسلام- قد أَمَرَ بذلك في معاملة النَّاس عامَّة، فإنّ أولى النَّاس بذلك الزوجةُ التي تُقاسم زوجها الحياة بحلوها ومرّها ، وصفائها وكدرها ، وخيرها وشرّها .

ألَمْ يقل رسولنا صلى الله عليه وسلم :" خَيْرُكُم خَيْرُكُم لأهلِهِ، وأنا خيرُكم لأهلي".

إنّ الكلمة الطيبة صدقة ، والابتسامة لونٌ من المعروف .

فما أعظم وصاية رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وما أجدرنا أن نأخذ بها .

مراعاة شعور الزوجة وعدم إيذائها من المعاشرة بالمعروف :

إذا كان رسولُنا الكريمُ ف قد أمرنا أن نُحسن معاملة الجار ، وأن نُراعيَ مشاعره ، حتى فيما نُدخله إلى بيوتنا ، أو نصنعه فيها ، في قوله صلى الله عليه وسلم : " ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتسد عليه الريح ، ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها " " وإن اشتريتَ فاكهةً فاهدِ له ، فإن لم تفعل فأدخلها سرًّا . ولا يخرج بها ولــدُك ليغيظَ بها ولــدَه" ، فإنّ الصاحب بالجنب –الزوجة- تستحق ذلك –أي مراعاة شعورها كالجار- وزيادة .

ومِمَّا يُؤسَف له أن بعضَ الأزواج –ولا سيّما في المجتمعات المنفتحة- يفعل ما يُنافي المعاشرة بالمعروف ، فيتفنّن في إيذاء زوجته ، ولا يُراعي شعورها . والله ﻷ مطّلعٌ عليه ، وسيُجازيه على عمله .

يقول الشيخ حسن أيوب : (( إنّ واجبَ المسلم أن يجبرَ القلبَ الكسير ، ويُضمّد النفس الجريحة ، ويُفرّج كرب المكروب . فما بال هذا الزوج يكسر ويجرح ويُنزل الكرب على زوجته ؟! نسيَ أنّها أخته في الإنسانيَّة ، وأنّها أخته في الإسلام ، وأنّها جارته في الحياة ، وأنّها قدّمت إليه معروفًا كثيرًا ، كما نسيَ أنّها زوجته ؟! إنّ الله تعالى حرَّم على المسلم أن يُؤذيَ أخاه المسلم بنظرة أو بكلمة أو بحركة ، وأوجب على كلّ مسلم أن يحترمَ شعورَ أخيه المسلم على أيّ حال . فما بال الزوج النكد يصبّ البلاء على زوجته صبًّا بغير حساب؟ ألايعلم أنّها سوف تأخذ بتلابيبه يوم القيامة أمام الله تعالى وتُطالبه بحقوقها،وجزاء ظلمها. والله أعدل الحاكمين لن يتركه حتى يأخذ لها جميع حقوقها ، بأن يعطيها من حسنات زوجها ، فإذا لم تكف أخذ من سيّئاتها فوضعت عليه ، ثمّ كُبّ في النَّار )) .

ومن مظاهر إيذاء الزوج لمشاعر زوجته :

1- أن يُحدّثها عن جمال فلانة التي رآها في الطريق، أو شاهدها في الرائي، أو زاملها في العمل، ويُقارن بينها وبينها، مِمَّا يُؤلمُ نفسها، ويؤذي مشاعرها . والزوجة قد تُقابل قوله بشيء من التعقُّل أو التّجاهل ، مع أنَّ الأمرَ –يقينًا- قد ترك أثرًا سيّئًا في نفسها .

وهذا التصرُّف من الزوج حرامٌ لأمورٍ ،

منها : أنَّه نَظَرَ إلى امرأة أجنبيَّة، وهو أمرٌ محرَّمٌ قد نهى عنه ربّنا ، فقال : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) [النور : 30] . ونهى عنه رسولنا ف في وصيّته لأمير المؤمنين عليّ س–وهو عامّ لأمّته-: "يَا عَلِيُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ" .

ومنها: أنَّه آذى مشاعر شريكة حياته، ومربية أولاده، وملبية رغباته، والله ﻷ قد نهى عن إيذاء المؤمنين، وحذّر من ذلك، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) ( الأحراب : 58] .

2- ومن مظاهر إيذاء الزوجة: تهديدها المستمرّ بالزواج من ثانية ، بقصد مضايقتها، والإضرار بها، لا لسببٍ ألجأه إلى ذلك، ولا لحاجة اضطرته إليه ، مِمَّا لا يقبله لأخته ، أو ابنته .

ومعلومٌ ما يتركه الحديث عن التعدّد –وهو أمرٌ مشروعٌ بلا ريب- من أثرٍ في نفسيّة الزوجة ، ينعكس سلبًا على الأسرة كلِّها .

3- ومن مظاهر إيذاء الزوجة : ما يحدث من بعض الأزواج من ذكرٍ لعيوب زوجته -لا سيّما أمام أقاربه-، مِمَّا يجعلهم ينظرون إليها نظرة ازدراء وانتقاص واحتقار .

وكان الأولى به أن يُعدِّد محاسنها ، ويتغاضى عن ذكر جوانب القصور عندها، إن كان راغبًا في كسب قلبها، والإبقاء على مودّتها. أمَّا إن تأكَّدت رغبته في فراقها ، فعليه أن لا ينسى ما كان بينه وبينها من مودّة وعشرة ، فإنّ الله يُجازى ذا الإحسان على إحسانه وذا الإساءة على إساءته .



د. عبدالقادر بن محمد عطا صوفي

كنزي
07-20-2012, 05:32 PM
حقوق الزوجين ( 2 ) الطلاق بالمعروف من المعاشرة بالمعروف :

والطلاق المباح أبغض الحلال عند الله . وهو إيذاءٌ للمرأة ، وسلطةٌ بيد الرجل ؛ إذ العصمة بيده. ومن الواجب عليه أن يُحسن استخدام هذه السُّلطة ، فلا يستخدمها إلا إذا ارتكبت الزوجة جناية موجبة لها ؛ لأنّ الطـلاق يتنـافى مع واجب العشـرة بالمعروف التي أُمر بها الرجل –إن كانت زوجه مواتيةً له-،كما أنَّه يُعرِّض الأولاد للمتاعب، وربّما العقد النفسيَّة .
والله ﻷ قد أمر الزوجَ أن يُعاشِرَ زوجه ويمسكها بالمعروف ، أو يُفارقها إن تعذّرت الحياة بالمعروف . قال تعالى ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) [البقرة : من الآية 231] ؛ أي من يُمسكهنّ من جديدٍ بمراجعتهنّ–بقصد الإضرار بهنّ- لا لرغبة منه في المعاشرة، ولكن حرصًا منه على فوات مصلحتهنّ في زواجٍ جديدٍ ينتظرهنّ، ونحو ذلك ، فقد ظلم نفسه ؛ إذ عرَّضها لسخط الله ، ولعقوبته.
والله ـ قد طالبَ الزوج –كذلك- أن يتريَّث قبل أن يُقدِمَ على الطلاق، وأن يحتكم إلى العقل والمنطق، وأن يُراعيَ المصلحة العامَّة للأسرة.قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهمن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) [النساء : 19]. فهي وصيَّة من الربّ جلّ وعلا للأزواج بحسـن معاشرة الزوجات ، وأن يُراجعوا الأمر قبل أن يُقدموا على الفراق – إن أحسّوا ببغض أو كراهية- ؛ إذ مراجعة الأمر وتحليله قد يكشف عن عنصرٍ هامّ في الزوجة المكروهة يَذْهَبُ ببغضها وكراهيتها ، ويُعيد الرغبةَ للزوج من جديد في الإبقاء عليها ، والحرص على مودّتها.
فالإحسانُ إلى المرأة ، ومعاشرتُها بالمعروف ، وغضُّ الطرف عن بعض عيوبها ، ما لم تكن اخلالاً بحقٍّ من حقوق ربِّها عز وجل، أو حقوق رسولها صلى الله عليه وسلم من الأمور المطلوبة . كلُّ ذلك في حدود الصيانة والعفّة والكرامة، والبُعد عن مواطن الفتنة، ومزالق الشرّ.

الغيرة –المعتدلة- من المعاشرة بالمعروف :
وبعضُ الرجال في عصرنا يُسرفون في تدليل المرأة ، وفي إعطائها الحرية في الخروج والدخول ، واستقبال الضيوف . وهو أمرٌ لا يرضى عنه الشرع . والإسلامُ الذي أوصى بالنساء خيراً ، يُعارض مثلَ هذه الفوضى التي تنتهي إلى ما لا يُحمَد عُقباه ، لا سيّما وقد وَصَفَ المؤمنَ صاحبَ القوامة بأنَّه يغار على محارمِه؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "المؤمن يغارُ، واللهُ أشدُّ غَيْراً"
ولمَّا قال سعدُ بن عبادة رضي الله عنه : لو رأيتُ رجلاً مع امرأتي لضربْتُه بالسيفِ غيرَ مُصْفح ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتعجبون من غيرة سعد ؟ لأنا أغيرُ منه ، واللهُ أغيرُ منِّي."
والغيرة على المرأة ضرورية لحمايتها ، وهي من حقِّها على زوجها ، كي تُصان كرامتها من كلِّ ما يخدشها .
ولقد كانت المرأة العربيَّة قبل الإسلام –رغمَ ما هي عليه من هضمٍ للحقوق-تعتزُّ وتفخر على أخواتها في العالم كلِّه بحماية الرجل لها، ودفاعه عن شرفها ، والثأر لامتهان كرامتها .
ولو لم يكن الزوج كذلك ، لكان ديّوثًا ، ينطبق عليه قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاثةٌ لا يدخلونَ الجنَّةَ أبدًا : الدَّيُّوث، والرجلةُ من النِّساء، ومدمن الخمر" . قالوا : يا رسول الله ! أمَّا مدمن الخمر فقد عرفناه ، فما الديوث ؟ قال : "الذي لا يُبالي من دخل على أهله". قلنا : فما الرجلة من النساء ؟ قال : "التي تشبَّه بالرجال" .
والغيرةُ المطلوبة ، هي الغيرة المعتدلة ؛ إذ "من الغَيْرَة ما يُحبُّ الله . ومنها ما يكره الله . فأمَّا ما يُحبُّ الله، فالغيرة في الرِّيبة . وأمَّا ما يكره ، فالغيرة في غير ريبةٍ" ؛ كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .
والمتأمِّل في هذا الحديث ، يجد أنّ الغيرة المحبوبة هي التي وُجِدت أسبابُها ؛ بأن قامت الأدلَّة عليها . ولذا وَجَبَ التأكُّد أو منع الأسباب التي تدعو إلى الشكّ . أمَّا عند عدم وجود الأسباب ، فإنّ الغيرة تكون مذمومة ، وتكون مِمَّا يُبغضه الله ؛ لأنَّها تُعكِّر صفوَ الحياة ، وتجلب أسباب النزاع والشّقاق ، مِمَّا يُزلزل كيان الأسرة ، ويجعلها عرضةً للقيل والقال ، وربّما كانت سببًا في انهيارها وتمزّق شملها .
لهذا وَجَبَ على الزوج أن يكون معتدلاً في الغيرة ، وأن تكون حياة الزوجين قائمة على الثقة المتبادلة ؛ فليس من حقِّ الرجل أن يُوجِّه إلى أهله التّهم في غير ريبة ، وليس له أن يُبالغَ في التشدّد والتعنّت والتجسّس على البواطن ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) [الحجرات : 12].
ولقد شـدَّد القرآنُ النكيرَ على الذين يرمون المحصنات بغير بيِّنة ، فقال تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون ) [النور:4] ؛ فوصف صنيعهم بأنَّه فسقٌ، وحكم بجلدهم ثمانين، وعدم قبول شهادتهم . وهذا من إنصاف الشريعة ؛ التي تأمر (( –في جهة- بأصرم ما يكون العقاب لمن يرتكب الزنا وقامت عليه البيِّنة، وتأمر –في الجهة الأخرى- بضرب ثمانين جلدة لمن يرمي غيره بالزنا ، ولا يأتي عليه بأربعة شهود ، حتَّى لا يتجرَّأ على مثله في المستقبل )) .
ولا ريب أنَّ هذا التشريع يسدّ الباب على من يتّخذون من اتهام زوجاتهم غايةً للتخلّص منهنّ بغير حقّ ، وكذلك على أولئك الذين يجعلون منه وسيلةً للانتقام منهنّ باسم الشرف ، لأغراض خسيسةٍ يكتمونها في أنفسهم .
والإسلام الذي شرع الغيرة ، وضع لها الحدود والضوابط ، وشرع الطريقة المثلى لذلك ؛ فمنع الأسباب، وسدّ الأبواب، وأغلق المداخل أولاً، حين أمر المرأة بالحجاب، وطلب منها أن تبتعد عن الاختلاط بالرجال، ومنهم ذوو قرابتها؛ من أبناء العمّ، وأبناء الخال، وأقارب الزوج، وغيرهم. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إيَّاكم والدخول على النساء" ، فقال رجلٌ من الأنصار : يا رسول الله ، أفرأيتَ الحَمو ؟ قال : "الحَمْوُ الموتُ" .
وليس هذا فحسب ، بل إنَّ محارمُ المرأة، لو أرادوا الدخولَ عليها، فيجب عليهم الاستئذان ؛ فعن عطاء بن يسار أنَّ رجلاً قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أأسْتأذن على أُمِّي؟ قال:"نعم" . قال الرجلُ : إنِّي معها في البيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استأذِن عليها". فقال الرجل: إنِّي خادمُها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسْتأذِن عليها. أتُحبُّ أن تراها عُرْيَانةً ؟ " قال : لا. قال: "فاستأذن عليها" .

إحصان الزوجة من المعاشرة بالمعروف:
وعلينا أن لا ننسى أنّ مهمّة إحصان المرأة تقع على عاتق زوجها؛ فالجماع حقّ من حقوقها ، فعليه أن يوفّيها حقّها بحدود طاقته ؛ فقد أخرج ابن حبّان في صحيحه أنَّ امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه دخلت على نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فرأينها سيئة الهيئة. فقلن: ما لكِ ؟ ما في قريش رجل أغنى من بعلك. قالت: ما لنا فيه شيء؛ أمَّا نهاره فصائم، وأمَّا ليله فقائم. قال: فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرن ذلك له، فلقيه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال:"يا عثمان أما لك فيَّ أسوة ؟" قال : وما ذاك يا رسول الله فداك أبي وأمي؟ قال: "أما أنت فتقوم الليل وتصوم النهار ، وإنَّ لأهلك عليك حقًّا، وإن لجسدك عليك حقًّا. صلِّ ونَمْ، وصمْ وأفطر". قال: فأتتهم المرأة بعد ذلك كأنَّها عروس، فقيل لها : مَه ؟ قالت : أصابنا ما أصابَ النَّاس .
يقول السيِّد سابق : (( قال ابن حزم : وفَرْضٌ على الرجل أن يُجامع امرأته التي هي زوجته ، وأدنى ذلك مرةً في كلِّ طُهر إن قدر على ذلك، وإلا فهو عاص لله تعالى . بُرهان ذلك قوله تعالى ( ويسئلونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) [البقرة من الآية222]. وذهب جمهور العلماء إلى ما ذهب إليه ابن حزم من الوجوب على الرجل إذا لم يكن له عذر.
ولا يجوز للزوج أن يترك فراش زوجه بلا مراجعة ، فمن حقوقها أن لا تترك كالمعلقة . وبعض الأزواج يعتقدون أنَّ الرجل حرّ في هجر فراش الزوجيَّة، وبلا مراجعة، ناسين ، أو متناسين أنَّ المرأة شقيقة الرجل، تشتهي وتتمنَّى كما يتمنَّى، وأنَّ مسؤوليّة إحصانها تقع على عاتق زوجها . والشريعة الإسلاميَّة قد حدَّدت للذي يهجر فراش الزوجيَّة مدَّة أربعة أشهر على الأكثر ، عليه أن يُباشر زوجه خلالها ، وإلاَّ أُجبِر على تركها والانفصال عنها ، كما قــال مولانا جلّ وعلا : ( للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) [البقرة : 226-227] . ولقد أمر الفاروق عمر رضي الله عنه بإعادة المجاهدين من مواقع القتال لهذا الغرض . وسببُ ذلك أنَّه سمع امرأة تقول –عندما كان يعسّ ليلاً:

تطاول هــذا الليل واسـودّ جانبه
وأرّقـنـي إذ لا حـبـيب ألاعـبه

فلولا الذي فوق السماوات عرشه
لزعزع من هذا السرير جوانبه

فأصبح عمر، فأرسل إليها، فقال: أنت القائلة كذا وكذا ؟ قالت : نعم. قال : ولِمَ ؟ قالت : زوجي في هذه البعوث . -أي هو في الجهاد- .وذكر الحافظ ابن حجر : أنّ عمر س سأل –بعد هذه الواقعة-: كم تصبر المرأة عن زوجها : تصبر شَهْرًا ؟ فأُجيب : نعم . قال : تصبر شهرين ؟ فقلن : نعم . قال : ثلاثة أشهر ؟ قلن : نعم ، ويقلّ صبرها ؟ قال : أربعة أشهر ؟ قلن : نعم ، ويفنى صبرها . فكتب إلى أمراء الأجناد في رجالٍ غابوا عن نسائهم أربعة أشهر أن يردّوهم .

الشفق
07-20-2012, 05:47 PM
كنزي
هلابك انار تواجدك ارجا الشفق
وسعيدين جدا بانظمامك لاسرتنا
كل عام وانتي بالف خير
ماشاء مواضيع هادفه جدا الله
يجزاك الف خير
كان من المفترض ان كل موضوع يكون مستقل بذاته
شكرا لحضورك الزاهي
وفايف استارز
وتقديري ومودتي
،
الشفق

لهفة الخاطر
07-21-2012, 05:46 AM
موضوع حوى الكثير من الفوائد والأساليب القويمه على النهج النبوي
طرح قيم ومفيد . . وان كان من االأروع لو تم طرح بكل يوم موضوع

كنزي
جزاك ربي الجنه . . وأسأل الله أن ينفع بما طرحت وأن لايحرمك الأجر
تقييمي & آحترآمي.."